لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أرونوفسكي وفلسفة الهوس..(1)

أحمد زكريا

أرونوفسكي وفلسفة الهوس..(1)

11:04 ص الأحد 06 سبتمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - أحمد زكريا:

أن تقرأ مقالاً أو كتاباً علميًا أو أدبيًا، يغوص بك في خفايا النفس البشرية الضعيفة وتعقيداتها نزواتها ورغباتها وهوسها وهواجسها وطموحاتها، فذلك بالأمر الهين .

أما أن تشاهد فيلمًا يقدم لك تجارب إنسانية مشرحة تشريحا دقيقا مرعبا من هول تفاصيله وتعقيداته أن يأتي لك معادلاً بصريًا لخفايا نفسك ونزواتها وأحلامها ، كل ذلك ستجده حتمًا عند دارين أرونوفسكي المخرج الأمريكي المعروف.

الذي أحال عدسته ميكروسكوبا دقيقًا لأغوار النفس وتعقيداتها وجدلياتها الأزلية منذ آدم وتفاحته وحتى هوس الخلود عند الإنسان الحديث.

بحثت بعض الشيء في نشأته لأفهم كيف تكونت رؤيته البصرية والفلسفية لأجده كان مولعًا بالجرافيتي ومشاهدة المسرح مع أبويه في برودواي عاصمة المسارح والفن في العالم قبلة الراغبين في الشهرة والنجاح والثراء السريع.

الآن فهمت لماذا تدور أغلب أفلامه حول الهوس البشري والإخلاص لفكرة عابرة يراها ملاذه الأخير من كل هواجسه.

ما ساعد أرونوفسكي على فهم وتشريح الإنسان في أفلامه إلى جانب دراسته للسينما هو دراسته للأنثروبولوجيا أو علم الإنسان الإجتماعي ما كون له شخصية مركبة لها منظور سينمائي فلسفي لأي حكاية أو قصة .

له بعض التجارب مع الأفلام القصيرة البداية الطبيعية لكل صانع فيلم لكن بدايته كانت مع فيلم Pi ، عالم الرياضيات العادي الذي أصابه هوسًا بالأرقام جعله يثق فيها لحل ألغاز الكون والطبيعة وتبسيط كل معقد من خلال شفرات رقمية وجهاز ابتكره لنفسه فغاص في الأمر حتى وصل إلى محاولات التنبؤ بمؤشرات البورصة وتحولت كل هواجسه إلى هوس عظيم بدأ يتضخم بداخله ليتحول إلى هواجس جديدة من كل محيطيه ليستحيل إلى كرة ضخمة من الهلاوس فيطارده رجال الدين اليهود وبعض رجال الشرطة ويتضخم ويتضحم ليصبح ملعبًا للبارانويا -جنون العظمة.

كاميرا الفيلم إستحالت على يد أرونوفسكي إلى ميكروسكوب للنفس البشرية وما تضمره لنفسها وللعالم من جنون وهوس النجاح والتفرد وقيادة العالم والإحباط والنجاح ثم الفشل والتوحد وكل أمراض النفس في العصر الحديث.

الفيلم ميزانيته كانت من حر ماله هو وعائلته وبعض أصدقائه حتى تمثيل وكتابة الفيلم كان مشاركة زميل دراسته Gullette ، شارك الفيلم في مهرجان ساندانس وفاز بجائزته ومن ثم تم عرضه تجاريًا.

يلتقط أرونوفسكي أنفاسه ليستقر على رائعته requime for a dream هوسًا آخر غاص فيه أهل الأرض برضاهم التام؛ هوس الإدمان وما يندرج تحته من إدمان المخدرات كتفصيلة مهمة في الفيلم .

أم تلاصق شاشة التليفزيون -مدمنة للشاشة- لملأ وقت فراغها ليصلها مكالمة هاتفية أنها ستظهر في البرنامج الأشهر فيتحول انكسارها واستسلامها إلى وحش ضخم من هوس التليفزيون هوس الظهور والتصفيق الحار وهدير الصافرات ودعابات المذيع وردود الأفعال المحتفلة بها وبنجاح عائلتها.

إبنها يعاني إدمان المخدرات له صديق -جدع- ورفيقة تتحول لعشق سادي أعمى.

خطوط متوازية من الرغبة في الشهرة -الأم- وتحقيق الثراء السريع -الإبن ورفقائه- تتصاعد دراميًا بإيقاع سريع ولافت.

أرونوفسكي هنا أراد لإيقاع الفيلم أن يكون معادلاً للرغبة السريعة في الشهرة والثراء لذلك استعان بلقطات سريعة من ال time lapse لشخصيات الفيلم ومجموعة من المشاهد Jump cuts صريحة للتعبير عن القفزات الزمنية التي يرغبها أبطال الحكاية.

إستخدم sequence ثابت متكرر كل فصل من فصول الفيلم سواء للأم التي أصبحت تتعاطى حبوب التخسيس أو حقن الابن وأصحابه .. بلع الحبوب وغرس الحقنة تكرار تكرار تكرار تكرار رغبة دفينة وهوس عميق جدًا للشهرة والثراء.

إستخدم أيضًا تكنيك ال Go pro قبل ظهورها تجاريا بسنوات تكنيك ال point of view ليقحمك في المشهد ويزيدك ارتباكًا ليجعلك جزءًا من هواجسهم وهلاوسهم.

من أروع المشاهد -من وجهة نظري- هي هلاوس الأم والثلاجة التي حرمت منها بسبب رغبة إنقاص الوزن للظهور بشكل لافت في التليفزيون ، الثلاجة اصبحت هاجسها الأكبر ووحشها الليلي الذي يطاردها ، يا إلهي متعة بصرية فلسفية عظيمة.

الفيلم عن رواية بذات الإسم للكاتب hubert selby قارنها العديد برواية fight club التي عرت أمريكا أمام نفسها.

the fountain أو الينبوع

هوس إنساني آخر خاضه أرونوفسكي وهو هوس الخلود "الموت طريق الخوف والرهبة" جملة تتكرر في الفيلم وهنا استعان المخرج بهيو جاكمان الذي جسد شخصية الرافض للموت وأنه مجرد عرض يصيب الإنسان فتصيبه هواجس الخلود وهوس الاستمرار في ملحمة إنسانية خيالية أربكت العديد من المشاهدين لأنه قام بكل ما هو غير مألوف ومعتاد من كسر للزمن فهو من أوائل من عادلوا نسبية أينشتين بصريا في السينما .

رائعة جديدة the wrestler

حكاية عن مصارع مصاب بهوس التصفيق والتشجيع الحار من مشجعيه، جنون العظمة الذي يعيش على تكسير الجماجم وطحن العظام وتقطيع اللحم عبارة عن تمثيلية كبيرة وطويلة يعيشها راندي المصارع الذي يتفق مع كل خصم قبل المباراة على حيثياتها وإلام ستؤول في نهايتها وما هي أفضل وأقوى ضربات يبادلونها من أجل إنتزاع الآهات وصرخات التشجيع المجنونة.

يفاجئه طبيبه أن قلبه أصبح لا يحتمل وعليه إلتزام البيت أو العمل الخفيف ليذهب إلى قسم الأجبان واللحوم وحين يرتدي ملابسه ويهم بالدخول للقسم نسمع في نهاية الممر أصوات وآهات مشجعيه راندي راندي راندي في مرثية بصرية مبكية حتى يقف أمام الزبائن منتظرًا أوامرهم وملبيا طلباتهم بالجرام !

زبونة تطلب منه مرارا وتكرارا أن يخفف وزن الطلب كلما قدمه لها في مرثية جديدة لهذا البطل .

من أصعب مشاهد الفيلم حين تقطع ماكينة الجبن إصبعه بعد أن كان جسمه موهوبا للتكسير والتقطيع في ملاحم أسطورية على حلبة المصارعة.

البقية الباقية عن أرونوفسكي في المقال القادم وفيلميه black swan وهوس الكمال وNoah وهوس الخلاص، وما نجح فيه وما أخفق فيه من وجهة نظر مريديه.

إعلان

إعلان

إعلان