لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الطفل العربي.. يرقة تحيا في الجحيم

دعاء الفولي

الطفل العربي.. يرقة تحيا في الجحيم

05:43 م الثلاثاء 08 سبتمبر 2015

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم- دعاء الفولي:

لم يتحمل جسد أيلان كردي الأمواج طويلا، ظل مُمددا على صفحة الماء، نائما طوال الطريق حتى مثواه الأخير بشاطئ تركيا، حين استقبلته الرمال المُبللة بعرق الموتى الذين لم ينجوا، هناك وقف "حنظلة"، ذو العشر سنوات، يدير ظهره للعالم أجمع، يبتغي مساعدة الأجساد المُلقاه، ينتفض ألما على الصغار الراحلين مع أحلامهم التي رأوها في أسرتهم الوثيرة، يتضرع إلى الله ألا تنتهي حياة أطفال العرب المتبقين كأيلان، أن يروا النور الممنوع عنهم أينما كانوا؛ سوريا، فلسطين، العراق، اليمن. أن يكبروا ليعاينوا رخاءً لم يلمسه الأهل، فلربما يصدقوا أن وطنهم العربي ليس مقبرتهم الأبدية.

كان الصغير أحمد دوابشة يتسلل خفية، بعيدا عن ناظري والدته، يشاكس أخيه علي، ذو الثمانية عشر شهرا، يلعبان سويا، يخربان بعض الأشياء في المنزل الكائن بقرية دوما بنابلس الفلسطينية، قبل أن تنتبه الوالدة وتُعنفهما. لا يفقه أحمد عن إسرائيل شيئا، فقط يلتصق بوالده حين يمران بجانب جنود الاحتلال، هيئتهم لا تُشعره بالأمان، لا يفهم حسابات السياسة العالمية، تنديدات الأمم المتحدة منزوعة الأهمية، تخاذل مجلس الأمن والدول العربية، وأنه مُعرض للاعتقال أو التصفية على يد المُحتل إذا ما كَبُر. فقط يخاف من تحذيرات الأب؛ ألا يبتعد كثيرا، كي لا يختطفه المستوطنون كما فعلوا بالطفل المقدسي محمد أبو خضير، وحاليا هو لا يستوعب أن والدته ووالده وأخيه علي يرقدون أسفل التراب، بأجساد مُحترقة لأن ثمة مستوطنين أشعلوا منزلهم، وأنه سيعاني لبعض الوقت من الإصابات التي ألمت به بسبب الحادث في يوليو الماضي.

المآسي لا تُفرق بين الأعمار، الحرب لم تضع الأطفال يوما في اهتمامها، حتى ولو ظاهريا، الموت أهون، فإذا ما اشتدت وطأة الظروف، سيضمن للأجساد الضعيفة مرقدا آمنا، بعيدا عن أيدي المتاجرين بهم، ولأنه أسهل ما يكون في الوطن العربي، فقد حصد ما يزيد عن 15.000 طفلا في سوريا منذ 2011؛ أيلان الصغير يموت مرارا دون انتباه أحد، فقط لأن حظه العاثر جعله بعيدا عن أنظار العالم، تنتهي حياته ببراميل الأسد الحارقة، أو رصاص يتطاير بين الأطراف المتنازعة في سوريا، بسيوف داعش، أو داخل البحر. المثوى واحد والجُرم مُشترك بين الجميع، طالما الوحش يأكل طفلا كل يوم بسوريا.

فيما مر على حرب غزة الأخيرة ما يزيد على العام، يحاسب طفل الغزّي نفسه "ليش ما مومتش ما عيلتي.. ليش أعيش برجلي مقطوعة؟"، يسأل دون إجابة، يصرخ في الكبار؛ فلا يسمعون، ثم يذهب ليحاول عبثا اللعب مع أقرانه فوق ركام المنازل، أو استحضار روح المدرسة بعد تضرر 62 واحدة داخل القطاع بسبب القصف الإسرائيلي، دون علمه أنه مجرد رقم تتناقله وسائل الإعلام وقت الفاجعة، وتنساهم فيما بعد، ولا يستدعيهم سوى بحث أحدهم عن معلومة تخص غزة؛ فيقرأ بالصدفة أن 462 طفلا جُرحوا خلال تسعة أيام فقط من الحرب الأخيرة، بينما اسُتشهد 48 آخرون.

اللهم إلا في أفلام الكارتون رديئة الصُنع، يظهر الطفل العربي سعيدا، لم يجرب اليُتم كأربعة ملايين طفل عراقي، جراء الغزو الأمريكي، يستطيع القراءة كحال طفل واحد من كل 15 في اليمن، ولا يقاسي العمل تحت أقدام الكبار كمعاناة مليون ونصف طفل مصري. الصغار في خيال الرسومات المُلونة، لهم ملابس زاهية، غير ملطخة بالدماء، رُقع الفقر المُدقع، أو أيدي الذين يمارسون العنف ضد 89% من أطفال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

لا شيء بيد "حنظلة"، صغيرٌ هو كأصحابه الذين يموتون حرقا، غرقا، خوفا ورهبة من فقدان الأحبة، أو مما سيحدث بعد ذلك. ماذا يفعل الصبي والأنظمة العربية كحجر مُصمت، ومن بيدهم القرار يظهرون على الشاشات ليذرفوا دموعا ثم يعودوا لقواعدهم سالمين، بينما تُستنزف الأجساد الصغيرة يوميا، ومعها الأحلام، البراءة، اللعب.. وتبقى اللاحيلة.

 

إعلان

إعلان

إعلان