لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وجهة نظر: في مصر.. من الجاني ومن الضحية؟

وجهة نظر: في مصر.. من الجاني ومن الضحية؟

10:40 ص الأربعاء 06 يناير 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – سامي مجدي:
انقضى 2015 بمآسيه وكوارثه وإحباطاته، وبدأ عام جديد يبدو في الأفق أنه سيكون مثل سابقه على الأقل بالنسبة للمواطن البسيط الذي لا يزال "يجري في المكان"، أي أنه كلما تقدم خطوة وانتابه التفاؤل، جاء من يُرجعه للخلف عشر خطوات ليبدأ بعدها من جديد لتعويض الخطوات العشر ويحاول أن يتقدم بعدها خطوة منذ أن انتفض الشعب ضد حكم الديكتاتور حسني مبارك في 25 يناير 2011، ذلك اليوم المحفور بأحرف من نور في كتاب تاريخ هذه البلاد.

في ذلك اليوم اكتسب المواطن ضمن ما اكتسب الجرأة، واُنتُزع منه الخوف، فهتف بأعلى صوته "يسقط النظام"، وواصل هتافه حتى تنحى "رأس" النظام، فانتابته النشوة والفرح فنزل وكأنه امتلك زمام أموره كلها وشعر بأن البلد باتت بلده هو - المواطن - ليست بلدهم هم – من في السلطة. لكن الأمور كانت أعقد وأصعب من أن يستوعبها ذلك المواطن المطحون الذي دائما ما يدفع أثمان مكاسب تحققها السلطة والقريبون منها دون أن يكون له منها هو نصيب.

فهذا المواطن هو أول من عانى من ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت في 2014 إلى 13 في المئة بعد أن كانت 9 في المئة خلال النصف الثاني من 2010، وفق أخر إحصاء رسمي، وتحمل، وعانى أيضا من انعدام الأمن وارتفاع معدلات الجريمة وتحمل، ومن كساد السياحة، التي بلغت إيراداتها في أول ستة أشهر من العام المنصرم 3.3 مليار دولار في مقابل 12.5 مليار دولار في 2010، وفق الجهاز القومي للتعبئة والإحصاء. ومن المتوقع أن يخفض إيراد السياحة في اخر ستة أشهر من 2015 خاصة مع تبعات حادث سقوط الطائرة الروسية.

(1)

ما أن أعلن "رأس" النظام، مبارك، تنحيه حتى هرول كثيرون ليحصدوا ما زرعه المواطن، المهموم بوطنه، على مدى سنوات طوال. كان خلاف الدستور أولا أم الانتخابات أول الخطايا في طريق الثورة المزروع بالأشواك، فالسلطة الحاكمة (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) كانت تتصور أن الشعب ثار على مبارك ونظامه بسبب التوريث وليس أي شيء اخر، وكان كثيرون من أعضاء المجلس يظنون أن منع التوريث كافٍ، لم يستوعبوا الشعارات التي نطقت بها ورددتها الحناجر على رأسها الشعار الأثير "عيش حرية عدالة اجتماعية"، ولم يقرأوا الرسائل التي بعثت بها الميادين في من أسوان إلى الإسكندرية.

تدل على ذلك السياسات التي اتبعها المجلس الذي خول إليه إدارة شؤون البلاد وتلكئه في تنفيذ مطالب الثورة، وعدم التحرك إلا تحت ضغط شعبي من جماهير الثورة في الميدان، وليس أدل على ذلك أكثر من محاكمة مبارك الذي نقله المجلس العسكري إلى شرم الشيخ وأحاله للمحاكمة بعد تردد، وبعد أن نبه الأستاذ محمد حسين هيكل في إحدى حواراته إلى ما يجري في ذلك المنتجع الساحلي.

الأدهى من ذلك هو أن مبارك الذي كان يتوجب أن يحاكم سياسيا على ما فعله في البلد من نهب وسلب وتخريب، حوكم جنائيا باتهامات فضفاضة منحته البراءة في نهاية المطاف.

وغير ذلك من الأمثلة كثير، تحتاج إلى مجلدات تكشف مدى الجرم الذي اقترفه هذا النظام في حق الوطن والمواطن.

أما الإسلاميون - وفي القلب منهم الإخوان الأقوى على الحشد والضغط– رأوا أن الوقت قد حان ليحصدوا مكاسب ما ظنوا أنهم الأحق بها، بحكم رأس مالهم الاجتماعي الذي ظلوا يرعوه على مدى عقود طويلة، وكان الإخوان يرتبون لذلك حتى قبل تنحي مبارك على ما أظهرته وثائق عثرنا عليها في مكتب الإرشاد بالمقطم في إطار تحقيق نُشر في مصراوي في مطلع 2014.

كان الإخوان يخططون للسيطرة على مقاليد السلطة ولو حتى بالتحالف مع أركان نظام مبارك التي لم تسقط، وظهر هذا جليا في تعهدهم بالمشاركة في السلطة وليس الاستئثار بها، فوعدوا بأنهم لن يرشحوا أحدا للرئاسة حتى أنهم فصلوا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة عندما أعلن نيته خوض غمار المنافسة على المنصب الرفيع، لكنهم نكصوا وعدهم ورشحوا اثنان –خيرت الشاطر وبديله محمد مرسي. ووعدوا بأنهم لن ينافسوا على مقاعد البرلمان على اعتبار أن "السلطة في ذلك الوقت مغرم لا مغنم"، على ما قال لي الدكتور عصام العريان في مقابله معه في يوليو 2011، لكنهم نافسوا على كافة مقاعد البرلمان وحصلوا على أكثر من 40 في المئة من المقاعد النيابية، وهكذا كانت الميكافيلية هي التي تحكم قرارات الجماعة.

وكان واضحا للعيان تحالفهم مع المجلس العسكري واتهامهم بالثوار بالبلطجة والفوضوية، على غرار ما جرى في أحدث محمد محمود وأحداث مجلس الوزراء.

قد يقول قائل إن هذه هي السياسة، وهكذا ممارستها لكن هذه المقولة تنطبق على البلدان التي تعيش أوضاعا طبيعية وليس تلك التي خرجت لتوها من ثورة وتريد وضع أسس دولة حديثة، دولة قانون تحترم حقوق مواطنيها وتصون كرامتهم وتحفظ حريتهم دون تمييز من أي نوع.

كذلك كان الدين –ولا يزال- هو الوصفة السحرية التي استخدمها الإسلاميون لاستمالة هذا المواطن البسيط الغيور بفطرته على دينه، والذي لم يجد من يعبر عنه وعن مطالبه من القوى الثورية والمدنية التي تعالت عليه وتناست مطالبه الأساسية في "لقمة العيش"، بعد أن ركزت أغلبها جل اهتمامها على مطلب الحرية وحقوق الإنسان في جزئها المتعلق بالحريات، وفشلت في عدم إيصال صوت الثورة إلى المناطق الشعبية والوصول إلى المهمشين، الذين قامت الثورة في الأساس من أجلهم، على ما قال لي في حوار مطول هاني الجمل القيادي في حزب الدستور الذي كان ينظر إليه كثيرون على أنه حزب الثورة.

(2)

بعد حسم معركة الدستور أم الانتخابات أولا، وفي ظل تباطؤ المجلس العسكري في تحقيق مطالب الثورة، والمضي قدما بشكل صحيح في المرحلة الانتقالية بوضع الأسس والقواعد لبناء دولة تحفظ حقوق مواطنيها أي كانت مناصبهم وتضمن حريتهم وتصون كرامتهم وتوفر لهم سبل العيش الكريم، وكذا محاولة تصحيح خطيئة الانتخابات قبل الدستور، صعدت القوى الثورية (الشبابية) من المواجهة وزادت وتيرة المطالب بتسليم السلطة مدفوعة بالأخطاء التي وقع فيها المجلس العسكري وعلت هتافات "يسقط حكم العسكر".

في ظل هذا المناخ المتوتر والانقسامات السياسية والمجتمعية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تضغط على أعصاب المواطن والسلطة الحاكمة، بدى وكأنها تهرول هربا بتسريع وتيرة الإجراءات؛ فكان أن أعلنت إجراء الانتخابات البرلمانية ووضعت جدولا زمنيا لتسليم السلطة لرئيس منتخب بنهاية يونيو 2012، دون أن يكون هناك دستور حاكم لأمور وشؤون البلاد والعباد، ويحدد اختصاصات كل سلطة من السلطات ويحدد الإطار الذي يعمل من خلال البرلمان والرئيس المنتظر.

جرت الانتخابات. وظهر على السطح عدة أمور كان أهمها انتهازية الإخوان ونهم الجماعة للسلطة وسعيها الدؤوب للاستحواذ والهيمنة، وذلك في ظل انكفاء الثوار على مشاكلهم وانشغالهم بصراعاتهم وعدم قدرتهم على بلورة كيان يلهم يلتف حوله المواطن البسيط الحائر الذي يواجه ضغوطا من كل ناحية. وكان المستفيدون من النظام، الذي تنحى رأسه، يترصدون ويخططون للحظة الانقضاض، ويُسيلون دماءً جديدة في معركتهم مع الثورة.

ثم جاءت انتخابات الرئاسة في 2012، ونقضت الإخوان وعودها ودفعت بمرشحها الأصلي -الشاطر- والبديل –مرسي- في إطار مسعاها الدؤوب للهيمنة، حتى بات المواطن والثورة أمام خيارين كلاهما أسوأ من الآخر: مرسي، الذي حسب نفسه على الثورة، وأحمد شفيق رجل النظام الذي ثار ضده الشعب في 25 يناير. في خضم تلك الحيرة والحسرة، كان هناك من فضل رجل الماضي عن رجل الجماعة ومنهم من أصيب بإحباط ومكث في داره، يندب الثورة وظهر أيضا عاصرو الليمون ومنحوا أصواتهم مرغمين لمرشح الإخوان. وقتها حاول المستفيدون من نظام مبارك، لكن هذه المرة باءت بالفشل، بعد وعود كاذبة من الإخوان كعادتهم (اتفاق فيرمنت الشهير). وأيضا كان المواطن والثورة هما الضحية.

بدأ عهد مرسي، وأوهم البعض نفسه بالأمل، لكن ماذا تنتظر من الإخوان سوى النكوص بالوعود والميكافيلية واستغلال الدين لتحقيق المآرب؛ ومضت سنة مرسي الأول وهو يُغرق في السلطوية ويُوغل في الأخونة، والآخرون -المستفيدون من نظام مبارك- يشاهدون ويحشدون ضده بشكل مباشر وبشكل غير مباشر يساعدهم في ذلك "خيانة" الإخوان للمواطن والثورة، بداية من عدم تشكيل حكومة توافق وإعادة تشكيل لجنة كتابة الدستور على ما اتفق عليه في فيرمونت، وصولا إلى الإعلان الرئاسي أواخر 2012، وتعنت الإخوان ومرسي في البحث عن حلحلة الأزمة التي كانت تعصف بالوطن والثورة. يضاف إلى ذلك فقدان القوى الأخرى البوصلة والقدرة على إقناع المواطن والانتصار للثورة، حتى باتت البلاد على شفا حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، فالإخوان ومشايعوهم صوروها حربا على الدين، صراعا بين الإسلام وأعداء الإسلام من العلمانيين والليبراليين والمسيحيين وهكذا.

نجحت جماعة الإخوان في حشد قواعدها ووقفوا في رابعتهم يفترون ويحرضون ويدعون للتدخل الأجنبي وتفتيت الجيش ومن ثم البلاد، وبدأ الاٍرهاب يعيث فسادا، حتى جاءت لحظة المواجهة التي كان ينتظرها صقور الجانبين، سواء من الإخوان أو السلطة وسالت الدماء، وصنع الإخوان كربلائهم وكأنهم ليس لهم نصيب من المسؤولية عن تلك الدماء.

(3)

انزاح الإخوان من الحكم ومن المشهد السياسي لكن تظاهراتهم التي غالبًا ما كانت تتحول إلى أعمال عنف بقت حاضرة في المشهد اليومي، حتى اضطرت السلطة المؤقتة إلى إصدار ذلك القانون الذي وضعها في مواجهة ما كانت بحاجة إليها مع قوى شبابية رأت في حق التظاهر أحد أهم مكتسباتها في ثورة يناير، بوين هذا وذاك كان المواطن البسيط والثورة هما الضحية.

بمرور الأيام، تمادى كل طرف في غيه، ولعبة شد الحبل بين السلطة الحاكمة والإخوان مستمرة وبالتوازي معها تضيق مساحة الديمقراطية وتتلاشى أمام التشدد الذي أبداه صقور الطرفين دونما اعتبار للمواطن البسيط؛ فالإخوان مستمرون في تحريضهم وتظاهراتهم التي تتحول إلى أعمال عنف، وكذا السلطة مستمرة وتتزايد في قمعها وتسلطها وغلقها للمجال العام وقتل أي محاولة لإحياء المسار الديمقراطي الذي شاركت كافة الأطراف في إماتته.

كما أن النظام الجديد يبدو وكأنه لم يتعلم دروس التاريخ ويواصل قمع الحريات والعصف بحقوق الإنسان وقتل كل أمل لإحياء الديمقراطية من خلال ممارسات ثار عليها المصريون مرتين خلال خمس سنوات؛ فالاختفاء القسري –101 حالة حسب تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان (جهة حكومية) في نوفمبر 2015 - لا يزال سياسية متبعة لدى أجهزة ظننها تغيرت، والصحافة تعيش أوقاتا عصيبة في ظل سيطرة رأس المال الذي يحاول جاهدا استرضاء السلطة السياسية - لعل أبرز مثال على المناخ الذي يعمل فيه الصحفيون ما جرى مع الزميل حسام بهجت على اثر تحقيق صحفي، والأمثلة أكثر من أن تحصى في مقال - وعدد القتلى خارج نطاق القانون في تزايد مستمر، إضافة التدخل الأمني والاستخباراتي في "هندسة" مجلس النواب الذي قال عنه أحد أبرز داعمي 30 يونيو، الدكتور حسام عيسى أنه "انتهك الشرف المصري".

(4)

تلك الممارسات جعلت "المواطن البسيط" الذي شكل قوة الدفع الحقيقة وراء ذلك النظام يدخل في نوبة اكتئاب وكبت ينذر بانفجار لن يكون كمثيليه السابقين. ووسط كل خرج المستفيدون من نظام مبارك رويدا رويدا من جحورهم، وهبوا ينهشوا جسد ثورة يناير ورموزها يحاولون جاهدين إقناع المواطن أن الثورة، ثورة يناير، وليس نظامهم السلطوي الذي أسقطت الثورة رأسه هي سبب شقائهم وأنها وليست سياسات نظامهم الذي يحاولون أن يعيدوه مرة أخرى السبب فيما آلت إليه أحوال البلاد والعباد.

تبقى حقيقة واحدة هي أن المواطن البسيط والثورة - ثورة 25 يناير - هما الضحية.

إعلان

إعلان

إعلان