لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أشرف أبو الخير يكتب - ويسألونك عن عَمَان.. مصر ليست أم الدنيا (3)

أشرف أبو الخير

أشرف أبو الخير يكتب - ويسألونك عن عَمَان.. مصر ليست أم الدنيا (3)

10:03 م الجمعة 18 مارس 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أشرف أبو الخير:

"بلكي لما نصفط الأواعي بالجرار تظبط معنا"* ... تلك جملة منطقية للغاية باللهجة الأردنية، لها معنى واضح، وحين سمعت كلماتها للمرة الأولى انتابتني دهشة وحيرة حقيقيتين، ألسنا بالوطن العربي؟؟.. في الأردن التي نتشارك معها حدوداً جغرافية بالعقبة؟؟، ومن المفترض أن تكون لهجاتنا قريبة للغاية؟، فلماذا لا أفهم تلك الجملة؟؟.. وكم سيكون حجم دهشتي إذن إن زرت إحدى بلاد المغرب العربي البعيدة تماما عنا؟

ومع الوقت بدأت أُدرك أننا المصريين نعيش حالة انعزالية ليس لها مثيل بالوطن العربي، ننغلق داخل بلادنا، وثقافتها، وطريقة الحياة بها، أكلاتها، وطريقة مزاحها.. الخ، ونكاد نخشى الاندماج مع المجتمعات الأخرى، فإن حدث وسافرنا –ولو في زيارة سريعة خارج الحدود- سرعان ما نبحث عن أماكن تجمعات المصريين، أماكن المقاهي المصرية، نسعد للغاية برؤية بنو جنسيتنا بالشوارع.. الخ.

ورغم أن الحنين للوطن بشكل عام علامة إيجابية في رأيي، إلا أن الانخراط في الطقوس والتفاصيل المصرية، يعزلنا لا ريب عن التعرف إلى الثقافات الأخرى، ولست أحكي هنا عن التعالي الذي يمارسه بعضنا -وكنت أنا من هؤلاء- على الآخرين بكلمات رنانة جوفاء تؤذي الآخر لا تسعده، كأن نقول " مصر أم الدنيا" أو "مصر أحسن بلد في العالم" أو "إحنا أكتر شعب فيه كذا أو أحسن شعب في كذا" أو "بلدكم صغيرة / دوشة/ كئيبة/.. " والكثير من التوصيفات التي يطلقها المصريون –بشكل عام- في وجوه الآخرين، والتي تساهم في إبتعاد الناس عنا، فضلا عن تكوين صورة خرافية لبلادنا، نعلم نحن يقيناً أنها ليست بحقيقية.

ومن أكثر علامات الابتعاد عن الآخر، هو اعتمادنا الكامل على أننا نتحدث بلغة "التلفزيون والسينما" خصوصا بالنسبة للوطن العربي، (وهو ما يتحول ببطء للأسف بعد سيطرة اللهجات الشامية المختلفة)، وبالتالي نحن نكف عن الاجتهاد في سبيل التواصل مع الآخر بلهجته أو بلهجة تتوسط لهجة كلا منا، فالآخر يفهمنا حتماً "فنحن التلفزيون والسينما" ، فصرنا نتخيل مع الوقت أن الوطن العربي كله يجيد لهجتنا، ويعيش على بواقي ثقافتنا ومجتمعنا، صرنا متأكدين من أن "كل العرب" يقدسون مصر، ويدركون دورها الحيوي، ويتمنون لحظة زيارتها.. وللأسف، فإن ذلك ليس حقيقياً على الإطلاق.

قابلت أنا العشرات من الزملاء والمعارف ببلاد عربية مختلفة، -معظمهم بالأردن طبعاً- كانوا غاية في الاستياء حين زاروا مصر (والاستياء كان في زيارة لشرم الشيخ، كما في زيارة القاهرة) لأسباب تتعلق بالتلوث، والزحام، وسوء الخدمات، والتعرض للنصب مرات ومرات.. الخ، كما قابلت العشرات كذلك ممن لم تكن مصر على لائحة أولوياتهم حين فكروا في السياحة، فهم يفضلون عنها بيروت أو اسطنبول أو دبي، وقابلت البعض هنا في عَمَان، ممن اندهشوا كثيراً لمقابلتهم مصري مثلي قد يأكل أكلاتهم الشعبية على سبيل التجربة أو يحاول التحدث بلهجتهم بعد أسابيع قليلة، ولا يذكر مصر إلا حين يُسأل عنها!! ... كنت بالنسبة إليهم أقرب إلى الكائنات الفضائية

أحمد ربي كثيراً على تخلصي من تلك "النعرة" إن جاز هذا التعبير مبكراً، فساهم ذلك كثيراً في تعرفي على المجتمع اللطيف الهادئ هنا، بدون أن أشعر بالانعزال، بدون أن أتعرض لمضايقات أو عنصرية، بدون أن يجتاحني الحنين لمصر فأدور كالطير الذبيح متهما الناس وبلادهم بأشياء ليست فيهم... والأهم من ذلك أنني صرت أكثر قابلية لاستيعاب الكلمات الصعبة في اللهجة الأردنية، فصارت حياتي أسهل يوما بعد يوم، على عكس "أمير" الذي سنحكي عنه في الأسبوع القادم.

لكم المودة بلا حدود، وإلى الأسبوع القادم.

• "بلكي لما نصفط الأواعي بالجرار تظبط معنا" تعني حرفيا باللهجة المصرية "يمكن لما نرتب الهدوم في الدرج الأمور تتظبط"

اقرأ أيضا:

ويسألونك عن عَمَان.. في البدء كانت الهجرة (1) 

ويسألونك عن عَمَان.. من وحي أزمة أوبر وكريم (2)

إعلان

إعلان

إعلان