لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ويسألونك عن عَمَان.. في البدء كانت الهجرة (1)

أشرف أبو الخير

ويسألونك عن عَمَان.. في البدء كانت الهجرة (1)

04:11 م الجمعة 04 مارس 2016

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم – أشرف أبو الخير:

قبل أيام، كنت قد وصلت إلى مرحلة لا أستطيع معها السيطرة على رغبة الكتابة عن عَمَان، وصار لابد من تفريغ شحنة نفسية هائلة تجتاحني، يجب أن أحكي عن ذوباني في تلك المدينة الهادئة، النظيفة، المركزية، عَمَان، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية والتي أحيا فيها وتحيا فيَ منذ شهور.

لكنني أمتلك الكثير لأحكيه، عشرات الصفحات المكتنزة بالمشاهدات واليوميات التي قابلتها ولازلت هنا، وبالتالي كان نشرها في حلقات مسلسلة أمراً ضرورياً، وحتى اللحظة، لا أعلم تحديداً أين سأنتهي، ولا كيف.. كل ما أعدك به يا سيدي هو أنني سأحكي لك الحكاية من البداية، ناقلاً لك الصورة بأمانة، وبأكبر قدر ممكن من الوصف والشرح، حتى إن سألوك عن عَمَان يوماً، تبتسم في هدوء وتجيب بأنك تعلم الكثير عنها

هـجرة، هذا هو التعريف الدقيق والوحيد لخروجي من مصر في خريف عام 2015 حاملاً تلاً كنت أعتقد أنه لن يتزحزح من الهموم والأوجاع النابعة بالأساس من الأحداث الجسام التي كان يحياها وطني الأم (مــصر) على المستويين السياسي والاجتماعي، مخلوطا بتلٍ آخر من الهموم الاقتصادية التي كنت أحياها على المستوى الشخصي، وصول طفلي قبل أسابيع، وبعد أن طرقت كل الأبواب التي أعرفها، وبعد إرسالي سيرتي الذاتية لكل الوظائف التي أتيحت أمامي خارج مصر، وحين كنت أظنها لن تُفرَجُ، رزقني الله بوظيفة مناسبة خارج الحدود، تحديدا في عَمَان... كنت أرى تلك الفرصة كشرارة ضوء صغيرة في نفق حياتي المظلم جداً وقتها، استشرت معارفي، واستخرت رب العزة، ووجدتني بعد ساعات مرتاحاً للغاية للفعل الذي قررت أن أقوم به، فكان أن جمعت أثاث بيتي، حملت وليدي وأمه، واتجهنا إلى هناك.. إلى عَمَان.

المصريون مرضى بحب بلادهم الساحرة، هكذا أفهم علاقتنا جميعاً بمصر، نحبها بجنون ولا نقدر على فراقها، قد نكره طريقة حياتنا فيها، نكره الطريقة التي تُدار فيها الأمور، لكننا أبداً لا نكرهها، ولا نتحمل عنها كلمة سوء واحدة، وفهمي هذا راسخ لا يتزحزح وبنيته استنادا إلى الكثير من النقاشات والتجارب التي خضتها بنفسي أو سمعت أن آخرون قد خاضوها عبر الحياة، ورغم هذا وجدتني –كالملايين من أبناء بلدي- مضطراً إلى تركها سعياً خلف واقع أفضل، مبتعداً في الوقت نفسه عن الضغوط الكثيفة التي كنا نعيشها جميعاً بالبلاد.. وإن كنت مصري الجنسية، فأنت تعلم تماماً أننا متقوقعون داخلنا، داخل النيل و "كوز الدرة" وحبات الفاكهة الطازجة صيفاً، وزخات الأمطار الخفيفة شتاءً، نحن – في الغالب الأعم- لم نخرج من مساحاتنا الخاصة داخل الوطن إلا لماماً، ودوما ما نعتبر نحن المصريين أن المغترب منا (قليل البخت) حتى وإن هاجر إلى أرقى بلاد العالم وأكثرها تحضراً، نحسده كثيرا على ابتعاده عن مسببات البؤس الكثيرة في الوطن، ونحسد أنفسنا أننا لازلنا على قدر من حسن الحظ، يسمح لنا بالمشي على الكورنيش أو التسكع بالشوارع حتى سطوع شمس الصباح.!!

العاصمة الاردنية عمان

والمغتربون أنواع وأنواع، أتمنى أن تسعفني الأيام لسرد وتفصيل الأنواع التي تعرفت إليها منهم/ منا.. وكنت أنا من النوع المحظوظ بسفري إلى دولة عربية شقيقة، تتحدث بنفس اللسان، فلم أواجه أبداً الرهاب المعتاد النابع من اختلاف اللغة، قريبة للغاية من مصر – جغرافياً- فهي تبعد ساعة بالضبط عن مصر الجديدة – حيث يقع المطار-، ويتميز شعبها بالتهذيب وحُسن الخلق، على غير ما عايشته شخصياً في دول "شقيقة" أخرى، كما أن لي علاقة وطيدة بالمملكة الأردنية الهاشمية منذ سنوات سبقت هجرتي إليها، حيث أن زوجتي من هذا البلد الطيب، كما أن لي هنا معارف وأصدقاء بالعشرات، وبالتالي لم تكن الغربة بذات الوطأة عليَ كما هي على الكثيرين.. لكنها ما زالت غربة رغم كل شيء، فيها الكثير من المرارة والحنين للوطن الذي لا يمكن تعويضه بأي مكان آخر. حتى وإن كان مدينة في هدوء وتنسيق وجمال عَمَان

بُنيت مدينة "عمَان" عاصمة الأردن قبل عقودٍ طويلة، وقبل أن تتوسع وتتضخم، على سبعة جبال، (جبل عمان - جبل الأشرفية - جبل التاج - جبل القلعة - جبل النظيف - جبل الويبدة - جبل الجوفة).. وعلى مدار حلقات السلسلة سنقضي بعض الوقت على تلك الجبال الشامخة لنرى عَمَان بوضوح ونستكشفها من أعلى.

فإلى الأسبوع القادم.

إعلان

إعلان

إعلان