- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
في ظهيرة يوم حار جداً، من أيام شهر يونيو عام 1985، كنت أجلس في منزلنا أمام تليفزيون ماركة "تليمصر 16 بوصة" أبيض وأسود، اشتراه أبى ـرحمه الله ـ بالتقسيط، وحفاظًا عليه من التلف والعبث، صنع له صندوقاً خشبياً يشبه التوابيت القديمة ووضعه فيه، وكان إرسال القناة الأولى في ذلك الوقت يأتي إلينا في قريتنا التابعة لمحافظة بنى سويف شمال الصعيد بصعوبة بالغة، فكان الحل في وجود (إريال) يوضع أعلى سطح المنزل ـكعادة أهل الريف والصعيدـ حتى تتحسن الصورة.
كان هذا يستلزم أن نقوم، -نحن الصغار-، في كل بيت، بعمل ورديات نهارية وليلية نصعد فيها للسطوح، حتى (نعدّل الإريال) إذا مال قليلاً ولعب به الهواء ففسدت الصورة وضاعت معالم الشاشة.
وجاء علىّ الدور في هذا اليوم، لأقوم بنوبة المتابعة، وقتها كنا نشاهد فيلم «أغنية على الممر»، وأبى يجلس بجوارنا يتذكر، ويحكى لنا عن فترة تجنيده أيام حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر). الصورة تأتي وتغيب، وأبى ينظر لي حتى أصعد لممارسة مهمتي وضبط (الإريال). وأنا لا أريد التحرك من مكاني، خاصة عندما بدأ أبطال الفيلم: محمود مرسى وأحمد مرعى ومحمود ياسين وصلاح السعدنى، يغنون من قلوبهم كلمات رائعة تقول: (أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشي يا ضحكة مصر. وتلاميذ المدارس. والنورج اللى دارس. والعسكرى اللى دايس.. ع الصعب علشان النصر) هم يغنون أو يعزفون ملحمة رائعة من ملاحم الفداء والوطنية، وهم يدافعون عن ممر حتى آخر طلقة وآخر نفس ويرفضون تسليمه للعدو.. أبي ما زال ينظر لي، يستعجلني للصعود.. فالصورة سيئة للغاية. أمي من بعيد تراقب الموقف.. ووقتها شعرت بأنني مندمج مع الفيلم وفكرته والأغنية وكلماتها، فقررت تقوم هي بالمهمة بدلاً منى، وحتى لا يستشيط أبى غضباً منى وأيضاً حتى لا يفسد سوء الإرسال علينا متعة المشاهدة، وهذا ما حدث بالفعل. ودارت الأيام دورتها.. ومرت سنوات طويلة كنت خلالها عرفت أن كاتب هذه القصة (أغنية على الممر) هو الكاتب الساخر علي سالم (1936 ـ 2015) وهو كاتب مسرحي متميز ومتفرد، له العديد من الأعمال المسرحية، ربما أشهرها لدى المشاهد هي مسرحية (مدرسة المشاغبين) وكنت قد تعرفت عليه بحكم العمل الصحفي.. وفى كل مرة كنت أذهب إليه فيها، كان يضحك، ويقول: (قول لي.. يا خيري.. الصندوق الذى كان بداخله التلفزيون.. أخباره إيه دلوقتي.. يا ترى لسه موجود؟)، ثم يواصل ضحكاته العالية في الكافيه الذي كنت أزوره فيه على فترات متباعدة بشارع دمشق في حي المهندسين بالقاهرة، حيث كان يجلس فيه.
وذات صباح في عام 2011 ذهبت إليه، فوجدته يضحك بسخرية، وفى نبرات صوته مرارة شديدة. قال بعدما جلست أمامه: من المؤلم أن أظل سنوات طويلة أرد على مقولات وأسئلة (تافهة) لا معنى لها من كُتاب وصحفيين ـ أو هم يحسبون أنفسهم كذلك ـ عن موقفي من إسرائيل وقضية التطبيع وما شابه ذلك، ثم قال: هؤلاء يكذبون على أنفسهم وعلى شعوبهم، ويأكلون على كل الموائد، ثم سكت.
قلت: أظن طبعاً هذه الأسئلة بسبب زيارتك الشهيرة إلى إسرائيل عام 1994، تلك الزيارة التي رأى المثقفون والعرب أنها تدعو إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأنت -كمبدع عربي- أضعت تاريخك كله بهذه الزيارة، وما تبعها من زيارات.
سكتُّ مرة أخرى حتى يرد على مكالمة تليفونية تحدث خلالها بالإنجليزية التي يجيدها، ثم أشار على النادل حتى يأتي لي بفنجان قهوة، ثم أغلق الهاتف، ونظر لي، وقال: لا يوجد مثقف في العالم يعاقب، لأنه يحب السلام، إلا في العالم العربي، علماً بأن الشعب العربي، والمصري بالتحديد، لا يريد الحرب ويريد السلام، وأنا لا أخالف ضميري، ولا أبيع أفكاري، ولا أخون مشاعري حتى أرضي مشاعر الجماهير بالكذب والباطل، كما يفعل آخرون، مثل الناصريين ـ وغيرهم ـ الذين يتاجرون بالأوهام ويأكلون على موائد النفاق تحت زعم إنقاذ وحماية القومية العربية.
أشعل سيجارة جديدة وواصل كلامه قائلاً: هم لا يحبون السلام.. لأن السلام سيجعل الحناجر الحنجورية تصمت.. وإذا صمتت هذه الحناجر، فمن أين يأتي هؤلاء بالأموال؟ هم يعيشون على الكذب والصوت العالي وخداع النفس والجماهير تحت وهم كاذب هو (إننا سنلقي بإسرائيل في البحر). قلت له: ولكنك تريد منهم أن يتصالحوا مع من سرق الأرض. واستباح العرض.. وقبل أن أكمل كلامي، نظر لي مبتسماً، وقال: أنت الآن تشبه أصحاب الحناجر الكاذبة الفارغة، الذين لا يريدون إلا الكلام بنغمة الأحزان. إن منطقة الشرق الأوسط دون سلام مع إسرائيل كانت ستتحول إلى فوضى، ولذلك أنا ـ كمثقف صادق مع نفسى ـ أؤمن بضرورة الانتقال من صراع الحرب إلى تنافس السلام.
ثم أطفأ السيجارة التي فى يده، وأشعل أخرى، وهو ينظر إلى شاشة تلفزيونية كبيرة أمامنا، وقال: أنظر إلى شريط الأخبار أسفل الشاشة، وقبل أن أرد، أضاف: هذا الشريط من الممكن أن يكون كل أخباره عن القتل والحرب والدم والخراب والدمار. ومن الممكن أيضًا أن تكون أخباره على النقيض، والذى يحدث هذا الفارق هو المثقف الذى يقود الجماهير.. ولذلك علينا أن نقود الجماهير لحب الحياة وليس لتدميرها، وأن نقودها بوعي حقيقي وإخلاص وضمير.
إن الحياة لم يخلقها الله من أجل الحرب، ولكنها خُلقت من أجل السلام.
كان يتحدث، وأنا أستمع بتركيز، وفى يدى فنجان القهوة الثاني لي منذ أن جلست معه. وبعدما انتهى من كلامه، لاحظ تركيزي على الشاشة الكبيرة التي أمامنا.. ثم قال وهو يبتسم: أظنك الآن تقارن بين التليفزيون الذى كان لديكم زمان، وبين هذا الذى أمامنا.. هززت رأسي بالإيجاب.. ثم واصل استفساره قائلاً: «وطبعا بتسأل.. همه ليه مش مركبين له صندوق خشبى؟»، قالها وصوته يجلجل ضاحكاً ويمسك فى يده نظرته الطبية وينظر لي. وأنا ألقى ببصرى من وراء زجاج الكافيه، أشاهد المارة فى الشارع، وأضحك معه، وأنا أتذكر تلك الأيام.
إعلان