- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ذهبت ذات يوم إلى منزل د. جلال أمين في شارع 12 بضاحية المعادي، حيث يعيش منذ سنوات بعيدة هناك، الساعة كانت تشير إلى الواحدة ظهرًا إلا خمس دقائق، انتظرت أمام الفيلا لدقائق، حتى أصعد السلالم في الواحدة بالضبط، ضغطت على جرس الباب، فتحت لي الخادمة، واستقبلتني زوجته الإنجليزية بكلمات عربية واضحة: «أهلًا وسهلاً.. الدكتور سيكون معك بعد قليل» قالتها بعدما فتحت لي حجرة مكتبه.
جلست أنتظره، وبصرى يجول في أرفف مكتبته وعلى بعض الصور المعلقة أمامي على الحوائط، في هذه اللحظة تذكرت واقعة عجيبة حدثت للدكتور جلال عام 1971 تحول فيها من كاتب وأستاذ جامعي مرموق إلى فتوة، لا يقل قوة ولا شراسة، عن فتوات حارات عمنا نجيب محفوظ في أعماله الإبداعية.
في صيف عام 1970 سافر د. جلال أمين وزوجته إلى لبنان في مهمة عمل تستغرق عاماً، يومها قرر تأجير بيته لنفس المدة حتى يعود، وهو ما حدث بالفعل ووقع عقدًا لدبلوماسي من دولة بنما يسمى «باتيستا»، وعندما عاد بعد انتهاء فترة عمله، ذهب للرجل حتى يترك المنزل طبقًا للعقد المبرم بينهما، رفض «الخواجة»، وقرر ألا يترك البيت، بعد فترة من الوقت عاش فيها د. جلال في شقة مفروشة قرر أن يأخذ حقه بالقوة، أجر ثلاث عربات كارو ووضع عليها متاعه وحقائبه، ووقف بها أمام بيته المغتصب، صعد درجات السلم وحاول إقناع الرجل بإخلاء البيت، واصل «الخواجة» رفضه، فما كان منه إلا أن عاد إلى سيارته وجاء منها بـ«الكوريك» الحديدي، وبدأ في عملية تحطيم أبواب وشبابيك البيت على دماغ الخواجة، الذى انزعج بشدة وارتعد خوفًا وهلعاً.
جاء البوليس، وحاول إقناع د. جلال بأنه يجب إعمال القانون، نظر له د. جلال ولسان حاله يقول له: «قانون إيه يا أبو قانون»، ثم واصل التهشيم والتحطيم في واجهات البيت ودخل إلى غرفة نومه المحتلة من الخواجة ووجهه يتطاير منه الدم بسبب الإصابات التي لحقت به، ونام على سريره ممدداً، معلنًا أنه لن تستطيع قوة على وجه الأرض طرده من ملكه، الذي استولى عليه غاصب.
بعد ساعتين أو أكثر قرر «باتيستا» إخلاء البيت وحمل متاعه وترك له البيت الجميل هذا، الذى أجلس في إحدى غرفه أنا الآن: «أهلًا يا خيرى.. عفوًا لقد تأخرت عليك قليلاً».. بهذه الكلمات أعادني الدكتور من الذكريات القديمة التي طاردت ذهني عن بيته، والتي كتبها في سيرته الذاتية «رحيق العمر»، سألني وهو يجلس أمامي، نجم - يقصد الشاعر أحمد فؤاد نجم- أخباره إيه؟.. قلت: زي الجن! ضحك بصوت مرتفع من أعماق قلبه، وهو يقول: حلوة حكاية جن دي!..
قلت له: يا دكتور هل تذكر حكاية «باتيستا»؟.. رد بعد فترة صمت قائلاً: نعم أذكرها ولا أنساها.. وكلما تذكرت هذه الواقعة أستغرب ملابساتها، لكن المؤكد أن إحساس الإنسان بأن حقه مغتصب، هو إحساس مرير، ويدفعك هذا الإحساس إلى فعل أي شيء، فالحق إذا ضاع، ضاع معه الأمن، والأمن إذا ضاع، ضاع معه الحق، قلت: والقانون؟.. قال: القانون يحتاج قوة وأمناً وإرادة حتى يحقق العدل، ثم توقف بنا الكلام عند هذه النقطة، وعاد يسألنى عن «نجم» هل صحته جيدة؟.. قلت: نعم.. قال: هل تعلم أنني لم ألتق به منذ سنوات طويلة، قلت له: هل تسمح لى بأن أرتب لك لقاءً وينضم لنا فيه بلال فضل وعلاء الأسوانى.. قال: بكل سرور.. وبالفعل اتفقت مع كل الأطراف على هذا اللقاء، لكن المتغيرات التى حدثت بعد 25 يناير 2011 غيرت مجرى الأحداث، فلم يتم اللقاء.
وذات يوم زرته مرة أخرى في بيته، وسألني نفس السؤال عن أحمد فؤاد نجم، فقد كان مهتمًا أن يسمع إن صحته جيدة- أو هكذا تصورت- وقلت له يومها إن صحته جيدة وهو الآن في ميدان التحرير يهتف مع جموع المتظاهرين «عيش- حرية- عدالة اجتماعية»، وكنا وقتها في الـ18 يومًا قبل تنحى مبارك، يومها لم يعلق، غير أنه قال: الحقيقة هذه الأيام هي أيام الحلم، أيام في عمر الوطن رائعة، تشبه بالضبط الفترة من يوليو 1952 وحتى 1958 وكنا في تلك السنوات نعيش في «حلم» ثم سكت قليلًا ونظر من وراء ستائر مكتبه إلى السماء، وكأنه ينظر إلى الحلم الذى تبخر بعد ثورة 1952.
مرت الشهور وانتقلت للعمل في صحيفة الوطن، استقبلني مجدى الجلاد مؤسسها ورئيس تحريرها في ذلك الوقت، واتفقت معه على مجموعة حوارات تحت عنوان: «الطريق إلى كوبرى القبة» عن الانتخابات الرئاسية 2012 التي فاز فيها محمد مرسى، يومها طلب منى أن أبدأ بحوار مع د. جلال أمين، وبالفعل عدت إليه مرة جديدة، وفي هذه المرة، لم ينس أيضاً أن يسألني: عن الحالة الصحية لـ «نجم» ؟.. قلت وأنا أضحك هذه المرة: زي الجن.. فضحك هو ضحكته العالية الصافية الصادقة التي تعبر عن روح فيلسوف، لا يخادع ولا يجامل، ولا يتجمل ولا يضحك على ذاته، ولا على غيره.
وأظن أن هذه الخصال في تركيبته الإنسانية والفكرية هي التي جعلته أحد أهم الشخصيات التي صادقها وأحبها لصدقها الأديب العبقري الراحل الطيب صالح، صاحب رواية «موسم الهجرة إلى الشمال». فهو من أفضل من شخص في دراساته وكتبه ومقالاته الشخصية المصرية في الـ50 عامًا الماضية وتغلغل في تكوينها الإنساني والثقافي والاجتماعي والثوري، بصدق وأمانة ووعي وموضوعية، فهو حتى على المستوى الإنساني لا يجامل ولا يعطى من لا يستحق ما لا يستحقه، قاس حتى على ذاته وعلى نفسه، إذا ما تعرض لهما بالنقد.
جلست إليه هذه المرة حتى أعرف مصر بعد الثورة إلى أين؟.. ولم يكن مر على 25 يناير سوى شهور قليلة، قلت له: كيف ترى ثورة 25 يناير؟.. سكت قليلًا ثم قال: الثورة حلم تحول إلى «وهم» إلى ضباب. الثورة باختصار مقلب وشربناه.. ثم عاد وواصل ضحكته لكن الضحكة هذه المرة لم تكن بنفس جمال وقوة وصفاء الضحكات السابقة، ثم قال: هل اتفقت مع عمك نجم على اللقاء الذى تحدثنا عنه من قبل؟.. قلت: نعم وهو ينتظر وبلال فضل وعلاء الأسواني أيضاً في الانتظار. رد: إذن دعني أستقبلكم في نادى المعادي النهري على الكورنيش. قلت: اتفقنا.. ثم توالت الأحداث عواصف واعاصير سياسية، ومرت الأيام ولم يتم اللقاء بسبب تقصير منى، وبعد سنوات كان «نجم» قد رحل.. والأسواني وبلال غابا عن المشهد لأسباب معروفة للجميع، لكن واصلت أنا زياراتي للدكتور جلال أمين في بيته الذي كلما وقفت على عتباته وأنا أرن جرس الباب أتذكر حكايته مع المستأجر الأجنبي «باتيستا» الذي كان يريد الاستيلاء على البيت، وكيف تحول بسببها الدكتور من «مفكر» إلى «فتوة» أجبرته الظروف على أن يأخذ حقه بيده، عندما شعر بأن القانون دون إرادة ودون قوة سيضيع عليه «شقا عمره».
بعد وفاة عمنا أحمد فؤاد نجم، التقيت به في بيته مرة أخرى، واستمر الحديث ما يقرب من ساعتين، وقبل مغادرتي وهو يودعني قال لي: فاكر عمك نجم ؟.. قلت: الله يرحمه.. قال: زينب ونوارة أخبارهم إيه؟.. قلت: بخير.. سكت قليلًا ثم قال وهو يغلق الباب: أرجو أن تبلغهما سلامي.. ثم أغلق الباب.
إعلان