لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

اعتداء إرهابي = ثغرة أمنية

د. جمال عبد الجواد

اعتداء إرهابي = ثغرة أمنية

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 26 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يمكن لاعتداء إرهابي أن ينجح ما لم تكن هناك ثغرة أمنية. هذه قاعدة صحيحة في كل الحالات. توفير الأمن هو سباق بين الإرهابيين وأجهزة الأمن. إنه سباق، يستغل فيه الإرهابيون كل ثغرة يمكن اختراقها، فيما تسعى أجهزة الأمن لسد الثغرات قبل اكتشافها. على رجال الأمن التفكير بنفس الطريقة التي يفكر بها الإرهابيون حتى يمكنهم توقع الثغرات التي يمكن للإرهابيين النفاذ منها.

في كل مرة يفشل فيها رجال الأمن في تخيل الطريقة التي يعمل بها العقل الإرهابي، تظهر ثغرة ينفذ الإرهاب من خلالها، وهذا هو ما حدث اليوم في المنيا.

توفير الأمن في مواجهة الإرهاب في العصر الرقمي ليس بالمهمة السهلة. المعرفة الدقيقة من خلال التدريب المتواصل، وجمع المعلومات المفيدة ذات الصلة، والمتابعة المستمرة، بالقراءة والنقد والحوار، هي القاعدة الأساسية لمكافحة الإرهاب. الحرب ضد الإرهاب هي حرب عقول قبل أن تكون معركة في فنون القتال واستخدام الأسلحة والمتفجرات. التكليف الأهم الذي يتحمله المسئول الأمني هو تحديد الثغرات الأمنية الواقعة في النطاق الجغرافي لمسئوليته. قائمة الثغرات الأمنية المحتملة تتسع باستمرار، وعلى المسئول الأمني ملاحقتها.

جريمة المنيا تبين أنه حتى الطرق الفرعية النائية تقع ضمن دائرة الثغرات الأمنية المحتملة، وأن الحاجة قائمة لوضع الخطط وتوفير الإمكانيات اللازمة لتأمينها.

لا يمكن توفير الحماية لكل الأهداف التي قد تتعرض لضربات الإرهاب. الإرهاب في أوربا يضرب في مسارح الغناء والمقاهي وملاعب الكرة. الإرهاب عندنا يستهدف مقار ودوريات الجيش والشرطة، كما يستهدف المواطنين الأقباط وكنائسهم. كلما أحكمت أجهزة الأمن توفير الحماية لمقراتها ودورياتها، كلما وجه الإرهاب ضرباته لأهداف مدنية رخوة تتمتع بحماية أقل، وهذا هو ما يحدث مع الكنائس والمواطنين الأقباط.

لو أحكمت الدولة حمايتها للكنائس لبحث الإرهابيون عن ثغرات جديدة في نوع جديد من الأهداف، وهذا هو ما حدث في الاعتداء على أوتوبيس المنيا. الأقباط جزء مندمج ولا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في مصر، والعقل الإرهابي لن يعدم طريقة للفرز والاستهداف، فالأقباط موجودون في الأسواق والشوارع والقرى والمدن، وعقل الإرهابيين المريض لا يهدأ.

تأمين المنشآت المدنية بنفس الطريقة التي يتم بها تأمين مقرات الحكم وأجهزة الأمن سيحول مصر كلها إلى ثكنة عسكرية. الإحكام الكامل للإجراءات الأمنية حول الأهداف المدنية سيجعل الحياة مستحيلة، وسيقاومه المواطنون المستفيدون من الحماية أنفسهم.

الأمن سلعة غالية، وتوفيرها في العصر الرقمي له تكلفة كبيرة. كل جهاز جديد للمسح بالأشعة، وكل بوابة إلكترونية جديدة، وكل كاميرا إضافية للمراقبة، وكل جندي يتم تجنيده، كل هذه تكلفة يدفعها الشعب وتتحملها موازنة الدولة على حساب احتياجات أخرى. الأمن هو الأولوية رقم واحد، لكن ليس بالأمن وحده تحيا المجتمعات. لا مناص من القبول ببعض الثغرات الأمنية، ولكن أي ثغرات، وبأي تكلفة.

السباق بين الإرهاب والأمن لن ينتهي طالما عشش التطرف في الأدمغة، وطالما كانت هناك منابر تروج للتعصب، والغرور العقيدي، والأنانية الدينية، والكراهية، واحتقار الآخر، والاستهانة بالأرواح. أخيرا بدأنا في شن الحرب على أفكار التطرف، لكن الطريق مازال طويلا.

إعلان

إعلان

إعلان