لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وللناس فيما يشاهدون خيال

د. هشام عطية عبد المقصود

وللناس فيما يشاهدون خيال

د. هشام عطية عبد المقصود
09:27 م السبت 27 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تماما وكما استعان المسافر القديم بضوء القمر ليدله على الطريق، وصالح من فات الديار المصرية فى رمضان غربته بالبحث فى الموائد العامرة متعددة الأصناف عن طبق الفول فاطمأن المقام، وكما نام الأطفال - فيما ترويه الكتب- هادئين بحكايات الجدات عن مغامرات تبدو الحياة فيها مفارقة لحدود ما هو معتاد من وقائع كثيرة يتم اشتقاقها من حال يعرفه أهل كل زمان ومكان وأسموه " واقعا".

هكذا تسللت المسلسلات والدراما، فمع رحيل الجدات والأمهات الحكاءات المدهشات خلت البيوت وعقول الأطفال من تلك الخيالات والدراما اليومية الطازجة، ولأن كل جيل يسلم حالته إبداعا وخيالا الى من يليه، صار الحال على ما تعلمون بأن تجلس الفتيات الصغيرات الى جوار الأمهات يشاهدن دراما التليفزيون وقصص الحياة التى تحملها عناوين مسلسلات أيامهن، وأيضا كما يجاور الأطفال الصغار الأباء يشاهدون معا دراما الأكشن وما تيسر من مصارعة لم يتبقى منها سوى سيناريو درامي ردئ، وقد يجدون معا وقتا لمتابعة مباراة فيلم كوميدي أو مسلسل يستطيع بقدرة معقودة لأولى العزم أن يجمع كل أفراد الأسرة لمشاهدته على قلب جلسة واحدة.

يمكن أن تتعرف على الشخص من مسلسله المفضل، وستعرف ثقافة وأحلام ومجالات هروب مجتمع ما من دراما زمانه، ولكل دراما رواية عن زمنها وناسها، هكذا مثلا ستعرف لماذا يحن الكبار إلى مسلسلات الزمان الجميل، تلك النقطة البعيدة من الماضى التى انتقوها وتسمروا عندها شغفا مراوغا، سيتفننون فى وصف الإحساس الممتع بدراما الأبيض والأسود، صابغا لون الشاشة بالرمادية وهى تنبعث منها أبخرة الحزن، وسيكون حتما مسلسل رمضان زمان هو مسلسل الزمن الجميل وفزورة نيللى هى فزورة الزمن الجميل، حتى تليفزيون زمان ذو القناتين الوحيدتين هو تليفزيون الزمن الجميل.

لن يتذكر أحد منهم طبعا كم بذل الأبناء الصغار الذين صاروا آباء كبارا الآن من جهد وهم يتنقلون فى طريق ذى مسارين للتحويل بين القناتين ذهابا وإيايا، وربما سيربط البعض ذلك بالإشارة الى نحافة أجسام الأبناء أيام زمان، وأن ذلك الفعل ذاته هو السبب تحديدا. 

سيدور الحال ومقتضاه فى حديث الناس عن المسلسلات بين رمضانين، رمضان قديم بعيد غابت أحداثه فظل خيالا إلا ما تيسر، ورمضان يعيشونه واقعا، ولكن سيبقى الجميع عند خط المتابعة والإهتمام بدرجات، والكل يتفرجون ويتسلون.

السؤال المتفلسف المتكرر سابق التجهز والطعم هو لماذا كل هذا الكم من المسلسلات فى رمضان؟ سؤال تتحدد سيكولوجية إطلاقه جراء لحظة تأمل تنذر بسحب تفكير صعب، – وضع حل لها الحكيم الهندى بقوله انغمس فى الحياة وستخرج أفكارك السوداء بعيدا –، وعندما ندرك أن الإجابة ليست مهمة لأن بعض الحياة وشيئا من طقوسها لا يجدر السؤال عنها أحيانا، وربما أيضا من باب الرحمة بالذات.

سينتهى الجميع إلى ما يشبه التصالح وهم يسعون باحثين عن خريطة دراما رمضان، وينهمكون فى انتقاءات ولكل انتقاء مغزى، فـ"أرض جو" غادة عبد الرازق، و"حلال" سمية الخشاب سيقعان فى مواجهة قاسية مع "حرباية" هيفاء، بينما يشاهدهم مسلسل مصطفى شعبان من بعيد مرددا "اللهم اجعلنى صائم"، وسيحاول "لمعى القط" الوقوف مثبتا أحقيته لكنه فى داخله يعلم يقينا أنه لن يتجاسر أبدا على العبث مع "عفاريت عدلى علام" القاعدة أمامه وإلا فسد الوئام العائلى.

سيشاهد الناس أنفسهم التى يعرفون أو يتمنون أو يرغبون فى الدراما، يصنعون عوالمهم المدهشة على الشاشة مسلسلا، ويتقمصون أدوار بطولاتهم تلك التى قد تفارق أو تتعارض أو تتقاطع وقد تسرى فى الليل كالخاطرة أو ما شاء للنفس الهوى.

وسيمضون بعدها ينتقدون وينزعون أنفسهم عن الحياة التى أورقت لهم على الشاشة فأحبوها وتسلوا بها وتسلسلوا اليها فصارت مسلسلات أيامهم.

إعلان

إعلان

إعلان