لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مافيش" غير الصراخ

أمينة خيري

"مافيش" غير الصراخ

أمينة خيري
08:55 م الإثنين 29 مايو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الصخب هادر. والصراخ يصم الآذان. والصوت العالي يشتت العقول. والنبرة الزاعقة المُستنفرة تهلك الأعصاب. ويستوي في ذلك الغث والسمين. فعراك ضيفي التوك شو المحتدم شأنه شأن أصوات أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم. كلاهما يثير الانتباه ويشتته. وحكايات الراكبات في عربة السيدات في مترو الأنفاق تستوي وأصوات خطباء الجمعة الصادرة عن المكبرات.

المحتوى يستحق الاهتمام، والكلمات تحمل الكثير من القصص والعبر، لكن تداخل الأصوات وعلو النبرات واحتدام العبرات يجعل فهم ما يقال من رابع المستحيلات. 

فما بالك بشعب يعيش هذا الصخب ويستنشق هذا الصراخ ويتواءم والصوت العالي ويهضم النبرات ما زعق منها وما نعق على مدار ما يزيد على ست سنوات، "الشعب يريد إسقاط النظام. الشعب يريد تطبيق شرع الله. الجيش والشعب إيد واحدة. يسقط يسقط حكم العسكر. الشرطة بلطجية. إثنين مالهمش أمان العسكر والإخوان. إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية. أيوه أنا باهتف ضد العسكر. حازمون والحق معانا دا المشير بيتحدانا. أيوه أنا باهتف ضد المرشد. مرسي رئيسي. الشعب يريد إسقاط الإخوان. الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة. عايز أختي كاميليا. عايز أختي عبير. عايز أختي وفاء. دم ولادنا للحرية مش لعصابة إخوانجية. تقطع مية تقطع نور يوم 30 هتغور هتغور. الشعب يريد إسقاط الانقلاب. السيسي رئيسي" وخفتت الهتافات لكن الصراخ لم يخفت يوماً، على مدار السنوات الست الماضية، بل أغلب الظن أنه وصل أقصاه هذه الآونة.

صحيح أن الشارع يخلو من الهتافات، لكن من كل صوب وحدب تتصاعد هتافات وصراخات وجلبات صياحات، حتى ما يفترض أن يكون نقاشاً عنكبوتياً على الأثير الافتراضي ينضح إما باتهامات وتخوينات، أو سباب وإهانات، أو بـ"أن فريند" و"بلوكات".

تتصاعد أصوات عالية من الشارع، تهرع إلى النافذة لتستطلع الأمر، فتجده حديثاً ودياً بين صديقين، تصحو على صوت والدك يجلجل في أنحاء البيت فتسرع إليه لتقف إلى جواره في الخناقة، فتكتشف إنه يتحدث في هاتفه المحمول، مقدمو برامج الـ"توك شو" لم يعودوا ينتظروا فقرة السيرك المحببة إلى الجميع حيث آلاف الـ"شير" اللاحق وملايين الـ"لايك" بفعل عركة الضيفين أو سباب المنظرين أو نزال الخبيرين.

اعتنق المقدمون نهج الصراخ الأحادي والزعيق الانفرادي، وبعد دقائق يتم جني الثمار، "مقدمة نارية لفلان الفلاني" "مواجهة خزعبلية لعلان العلاني" ويتم إعادة التدوير، ويٌتخم الأثير بالصراخ والعويل.

ومن عويل الأثير إلى عويل الواقع، الشارع الذي صار عنوانه الفوضى وقوامه العشوائية، وقانونه البلطجة والعضلات، عامر بما لا يلذ ولا يطيب من صراخ وصخب. لم يعد الأمر مقتصراً على آلات تنبيه تطلق بعشوائية، لكنه بسط سيطرة وفرض هيمنة من قبل مواطنين وصلتهم رسالة مهمة. من له حق يتفضل يأخذه بذراعه، وعلى المتضرر ضرب رأسه في أقرب حائط.

قلة منحرفة وشرذمة منبعجة تعترض على انفلات الأوضاع وتحول الشوارع والميادين إلى نموذج يحتذى في الغوغائية وغياب القانون. فينبري من بين الصفوف من يدافع قائلاً إن العين بصيرة لكن الإمكانيات ضئيلة والتدريبات قصيرة، ويكفيهم الانشغال بالإرهاب. تسكت على مضض، فالمنطقة حولنا مشتعلة، والنيران تطولنا بين وقت وآخر. كنيسة مرة، كمين أمني مرة، باص أطفال ونساء مرة، والصخب يشتعل ويتأجج. حتى الإرهاب وإزهاق الأرواح وسفك الدماء تحولت مثاراً لمزيد من الصخب. 

"ليس هكذا تواجه الدول الإرهاب" "الإرهاب لا يفرق بين مانشستر والمنيا" "هذه الحوادث دليل فشل" "هذه الحوادث برهان نجاح"، ومن دليل زاعق إلى برهان هادر، لا يكتمل المشهد دون سعار الأسعار وأنين المتضررين ومناشدات المسؤولين لتشديد الرقابة أو ترك الوزارة، أي شعب يمكن أن يعمل أويبدع أوينتج أو حتى يفكر في أجواء كهذه؟ الإجابة: "مافيش"!

إعلان

إعلان

إعلان