- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ياسر الزيات
أفكر أحيانا لو أنني كنت شخصا مختلفا، هل كان بالإمكان أن أصبح أكثر سعادة؟ لو أنني بقيت في الصعيد، وعملت مدرسا للغة الإنجليزية في مدرسة طما الثانوية التي تعلمت فيها، فهل كان بالإمكان أن أصبح أكثر سعادة؟ وماذا لو أنني كنت راعي غنم مثلا، أو بائع خضار كصديقي في المدرسة الإبتدائية؟ ماذا لو أن أبي لم يفقد ميراثه الذي اعتقد أنه سيكون ثروة تؤمن مستقبل أسرته، وتنقذه من عناء الوظيفة الحكومية ومللها؟ ماذا لو أن تلك حياتي لم تشهد تلك التحولات التراجيدية؟
إلى أن بلغت العاشرة من عمري، عشت طفلا وحيدا، لأسرة من الطبقة المتوسطة، يمكنك أن تصفها بأنها ميسورة الحال. وإلي ذلك الحين، لم يكن هناك ما يدل على أن الحياة تخبئ لهذه الأسرة ما لا يسرها. كان أبي موظفا مدنيا في مركز شرطة طما، وأمي ربة منزل سعيدة تحب زوجها الذي يكبرها باثني عشر عاما. هو ابن لتاجر مفلس، وهي ابنة لتاجر مفلس كذلك، وأنجباني لأكون حفيدا لتاجرين مفلسين. ويبدو أن الإفلاس كان مكتوبا على هذه الأسرة.
كبطل تراجيدي في مسرحية يونانية، وبدون دوافع منطقية، أو هكذا أتصورها الآن، قرر أبي أن يبيع ما ورثه عن أمه وأبيه، ليفتتح مشروعا يغنيه عن فكرة الوظيفة الحكومية. لم تكن لديه خبرة في التجارة، لم يكن كبقية العائلة التي تنقسم إلى أثرياء وميسوري الحال وفقراء يعملون كلهم في التجارة بأنواعها. ولم يفكر في أي مشروع يمكن أن يستثمر نقوده، التي كانت تمثل ثروة معقولة في ذلك الوقت. وفي انتظار العثور على فكرة مشروع، وضع أبي كل نقوده، كأمانة، لدى ابن عمه الذي كان تاجرا ثريا، ورفض نصيحة ابن عمه بالحصول على إيصال أمانة بالمبلغ: "يا راجل، إحنا بيننا الكلام ده؟". مات ابن عمه موتا مفاجئا، وفي العزاء سقط أبي مصابا بأول ذبحة صدرية في حياته.
تشكل هذه الواقعة أرضية لعلاقتي بالمال طوال حياتي. أحب أن أحصل على أموال كثيرة من أي عمل أعمل فيه، لا لشيء إلا لأنني أعتبر المبلغ الذي تحصل عليه هو تقدير لمهاراتك وكفاءتك. لكنني طوال ثلاثين عاما من العمل لم أنجح في ادخار أي مبلغ، ولا أسعى لذلك مطلقا، وأشعر بأنني يجب أن أعتذر لأبنائي، لأنني منحتهم أبا بنى علاقة شديدة السوء بالمال. تأتي الأموال لكي ننفقها، هكذا ببساطة، لكنها بلا قيمة عندما نحتفظ بها. يهيأ لي أحيانا أن الأموال "البايتة" تشبه "الطبيخ البايت"، إذ تفقد طعمها ما لم تصرفها مباشرة فيما تحب أو تحتاج.
في الجنازة، لم يعترف أبناء الراحل بالدين الذي كان في رقبة أبيهم لأبي، على عكس المتبع عند موت أحدهم في الصعيد، إذ يسأل أهل الميت إذا ما كان لأحد دين على فقيدهم ليردوه قبل الدفن. كنت صغيرا وقتها، ووحيدا، وقضيت أياما كثيرة في رحلاتي مع أمي من البيت إلى المستشفى، حيث يرقد أبي أغلب الوقت، بعد تكرار إصابته بالذبحات الصدرية. ولم أدرك أن أسرتنا انتقلت من يسر الحال إلى عسره إلا عندما رأيت أمي تخرج ماكينة الخياطة، التي كانت تستعملها لخياطة ملابسنا، لتستعملها في خياطة ملابس الآخرين. ومع الوقت، تعلمت أن أساعدها في تركيب "الزراير" أو رفو الملابس. تغيرت أحوالنا بهذا الشكل التراجيدي، وهبطنا إلى تحت الصفر، في الوقت الذي بدأت أمي تعود إلى الإنجاب بعد ١١ سنة من المحاولات اليائسة لكي يصبح لي أخ أو أخت. وبدلا من أخ واحد أو أخت واحدة، أصبح لي ثلاث أخوات وأخ، لم تشهد طفولتهم جميعا أي نوع من رغد العيش الذي شهدته طفولتي.
كان لدي دائما غضب متراكم من أقاربنا الذي أكلوا أموالنا بالباطل، لكن أبي وأمي تسامحا مع الوضع، وسامحا وتصالحا مع الأقارب. كنت الوحيد الذي يرفض أن يتصالح، لأنني كنت أعتبر أن هذا حق اخوتي، لا حقي. كنت أعتبر أن من حق اخوتي أن يعيشوا طفولة سعيدة ومرفهة كالتي عشتها. لم أسامح، ولا أعتقد أنني سأسامح أبدا.
قبل وفاة أبي بفترة قليلة، جلسنا نتحدث بصفاء، ونستعيد الذكريات. سألته بغضب وعتاب: "لماذا سامحتهم؟ لمادا فرطت في حق اخواتي؟". وأجاب: "بين أبنائي ثلاثة صحفيين، فهل لديهم مثلكم؟". قلت: "لا". قال: "أنتم ثروتي وكفايتي". ولم أجد ما أقول أمام هذا الرضا. مات أبي راضيا، وأظنه مات سعيدا.
هل أنا سعيد الآن؟ لا أعرف. ما هي السعادة؟ أظن أنك لا تكون سعيدا عندما تصبح السعادة موضع تساؤل. الحياة هي مجموعة من اللحظات السعيدة القصيرة، والحياة هي ما نعيشه، لا ما نتساءل عنه.
إعلان