لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أعشق الإسكندرية ..!

أعشق الإسكندرية ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
08:21 م الأحد 16 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

" كم بذلت هذه المدينة لظمئنا الصحراوي القادم من الجنوب طوال عقود، وما زالت تكيل لنا الكثير من الفرح، وما زالت تُجاهد مثل امرأة في أواخر الثلاثينيات لتظل هي الأثيرة بعد أن تجاوزتها قوافلنا إلى مدن أخرى. تجاهد حتى آخر قطرة بهجة، لتبقى هي فانوسنا الأخضر المعلق في شمال الخريطة دائماً، ولتظل جميلة تجيد خلق فتنتها أمام العيون بثقة ". 

هكذا تكلم الروائي السعودي " محمد حسن علوان " في روايته ( صوفيا ) واصفاً بيروت وعلاقة أهل الخليج بها. وهي كلمات معبرة تُعطي وصفاً دقيقاً لعلاقتنا الحميمة نحن أبناء جنوب مصر بالإسكندرية. 

ورغم التشوهات التي ظهرت على وجه الإسكندرية مؤخراً، نتيجة الإهمال وسوء الإدارة، وسلوكيات وأفعال المماليك الجدد من أصحاب السلطة والثروة، فالإسكندرية مدينة جميلة أبدية لن تموت ويتبدد وجودها، ولن تفقد روحها ولا طابعها المميز، كما حدث مع مدن أخرى كثيرة. وسوف تظل تبدو لعشاقها الأصلاء كأنثى أربعينية في قمة النضج والقدرة على الإحتواء والعطاء، أنثى تجمع بين تٌوهج الحبيبة وحنان الأم.

وهي مدينة التناقضات المتناغمة، التي تستمد الحياة من روحها المميزة وتاريخها البعيد، من صوفيتها ووثنيتها، من مساجدها وكنائسها، من دور العلم والمراكز الثقافية والمقاهي، من كل شئ ونقيضه.

وهي كذلك مدينة الغرباء، الذين يلجأون إليها في أوقات أزمتهم الشخصية والفكرية، ليعيدوا اكتشاف ذواتهم، وترميم ما تصدع من صروح أروحهم وأحلامهم، فتتمدهم بالكثير من المباهج والمنح، وتُعيد نبض الحياة إلى عروقهم، وتحفزهم على مواصلة الرحلة، وتعطيهم فرصة ثانية للحياة.

والإسكندرية مدينة صالحة للأحلام، كما قال الأديب " محمد منسي قنديل " في روايته ( انكسار الروح ). وقد كانت ولا زالت بالنسبة إلينا نحن أبناء الجنوب القاسى في جغرافيته والمحدود في آفاقه وخيراته، ملجأً وسكناً وأفقاً للتحقق الذاتي والمهني. ولهذا كان من الطبيعي جداً أن يقول آبانا الجنوبي الشاعر الراحل " أمل دنقل "، في إحدى قصائده الشهيرة: أعشق الإسكندرية. 

وهي مدينة المشائين التي يجب عليك وأنت في حضرتها أن تفصل نفسك عن حاضرها، وما به من تشوهات مؤلمة، وتتواصل مع تاريخها المُتخيل العظيم ، بالسير في أحيائها القديمة وشوارعها وميادينها، لتستدعي بخيالك ملامح وجمال ما كان، وتدخل في حوار مع المكان وروحه. 

ولتعلم أن أفضل ميعاد لممارسة ذلك الطقس هو منتصف الليل أو مع مطلع أول ضوء للنهار، ففي تلك الأقات ستشعر أن المدينة لك بمفردك، وستبوح لك بما لم تبوح به لعاشق قبلك، وستقع في هواها للأبد.

ومع وقوعك التام في شباك غويتها، سوف تكتشف أن الإسكندرية فكرة ثقافية، وليست فقط مدينة، وأن سر عبقريتها منذ تأسيسها أنها أقامت علاقتها بالشرق والغرب على قاعدة الوصل والفصل؛ الوصل مع حقائق الجغرافيا، وميراث المكان، والفصل عنهما والتواصل مع الوافد بحراً من الغرب، بهدف إثراء روحها وثقافتها وفكرها. وهذا التلاقي الثقافي هو ما صنع خصوصيتها ودورها ورسالتها في ثقافتنا المصرية، وجعلها دوماً أفقاً مفتوحاً للروح والعقل وحوار الثقافات والحضارات.

في النهاية، الإسكندرية مدينة حميمة، ومعشوقة أثيرة لا يمكن أن تُعوضك عن فقدها مدينة أخرى، وستعاني دوماً من وجع البعاد عن روحها ورائحتها وملامحها. وسوف ترهق روحك ذكرياتك معها، ومتعة اكتشافها وقربها، ومباهج سيرك وحيداً متأملاً على شاطئها. وإن اضطررت أن تقول: وداعاً للإسكندرية، كما قال " كفافيس" شاعرها الشهير، فأعلم أنك حتماً سوف تعود إليها، ودوماً سوف تظل تقول: أعشق الإسكندرية.

إعلان

إعلان

إعلان