لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مذيعة الهيروين".. "فتاة المرجيحة".. والسينما الواقعية

"مذيعة الهيروين".. "فتاة المرجيحة".. والسينما الواقعية

كريم سعيد
09:34 م الخميس 20 يوليه 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كريم سعيد

ربما لن يكون هناك أي صلة أو معرفة مباشرة بين مذيعة القناة الفضائية التي قامت بمشهد تمثيلي على الهواء تناولت فيه "السكر المطحون" على أنه "مادة الهيروين" لمناقشة موضوع الإدمان، وبين الفتاة التي قامت بالغناء في إحدى الأغاني المنتشرة حالياً على السوشيال ميديا باسم "المرجيحة" أو ما شابه، لكن الاثنتين اشتركتا من وجهة نظري في شيء واحد وهو أنهما نتاج واضح "للبحث الرخيص عن لفت النظر والانتباه" والذي اعتقد أن جريمة تسببت فيها بشكل رئيسي "السينما الواقعية" منذ نهاية السبعينات.

ففي زمن ممتلئ بالبرامج و"Talk Show" سواءً التليفزيونية والإذاعية أو حتى تلك التي يتم إنتاجها خصيصًا للعرض على الانترنت، أصبح طريق الإعلام الهادف طويل وممل وقد يؤول إلى الفشل في النهاية بسبب "قِلة نسبة المشاهدة".

وبالتالي، يكون الطريق الأقصر للفت نظر وانتباه المشاهدين والمتابعين هو الاتيان بتصرف "غريب أو مجنون" يُجبر هؤلاء المشاهدين على إدارة رؤوسهم ناحية البرنامج قائلين في نفس واحد "بص بسرعة.. شوف المذيعة ولا المغنية ديه بيعملوا ايه".

وهذا بالضبط ما قامت به الفتاتان، فمع اختلاف مجال ومكان كل منهما إلا أنهما اتفقا على الأسلوب والطريقة التي يستطيعا بها لفت نظر الآخرين، وذلك بسبب المبدأ الذي رسخته السينما الواقعية في المجتمع المصري منذ نهاية السبعينات تقريبًا.

والفتاتان بالنسبة لي ليستا سوى ضحيتين لهذا الفكر "المدمر" الذي صنعته السينما الواقعية وأسلوب عرضها للأمور في المجتمع على مدار العقود الأخيرة.

ففي الوقت الذي تصور فيه أباطرة هذه "السينما الرخيصة" أنهم يقدمون خدمة جليلة للمجتمع بكشفهم للمشاكل بنفس طريقة حدوثها، أصابهم العمى ليقوموا بتصدير هذه المشاكل للمجتمع ككل وتبدأ عملية التعليم غير المباشرة سواء "بقصد أو دون قصد".

ولنأخذ نفس المثل الذي أخذته مذيعة القناة الفضائية وهو مشكلة "الإدمان" في المجتمع، فالسينما الواقعية عندما تقوم بتناول هذا الأمر، نجد أنفسنا أمام فيلم مدته ساعتين كاملتين (120 دقيقة)، يتم عرض المشكلة من خلالها فيما يقرب من 110 دقيقة، ويتخلله وصف دقيق ومتقن لكيفية تناول المخدرات مثلا وكيفية توزيعها وكيفية الحصول علي مدمنين جدد.. وما الخ.

وعقب كل ذلك، تأتي النصيحة والتحذير من الإدمان في النهاية والتي تكون مدتها الـ 10 دقائق الباقية، ويكون من المفترض بناء على هذا السيناريو ان يتذكر المشاهد النصيحة التي اخذها في 10 دقائق فقط، بعد ان قضى ما يقرب من 110 دقيقة وهو يتعلم بصورة غير مباشرة كيف يصبح مدمنا؟!!

وهذا بالضبط ما فعلته مذيعة القناة الفضائية والتي "تفتق ذهنا" مثل مخبولي السينما الواقعية عندما قررت على الهواء ان "تستنشق السكر المطحون" وكأنه "هيروين" ظنا منها انها تؤدي رسالتها الإعلامية بمحاربة تجارة السم الأبيض، ولم تدرك للحظة ان من بين مشاهديها من قد يتعلم بصورة غير مباشرة الإدمان من تمثيلها!

لم تدرك للحظة أن رسالة الإعلام هي أن تقدم للعوام المشاكل وطرق حلها عن طريق المختصين، وليس عن طريق التمثيل والطرق الملتوية من أجل "زيادة نسبة المشاهدة".

وعلى نفس المنوال، سارت فتاة أغنية "المرجيحة"، فبدون أن تدرس الغناء أو تحاول فهم ما هو الغناء من أساسه، تفتق لذهنها نتيجة كلام معسول من هذا أو ذاك أن صوتها "حلو" وبالتالي تصلح لتكون "مغنية"، فارتفع الحلم داخلها وسارت على طريق "مش مهم سخرية الآخرين – المهم ابقي مشهورة وخلاص".

وهو الأسلوب الذي أصبح ناجحًا بعدما ساعد فيه أيضا نفس الفئة التي تؤمن بالسينما الواقعية، ولنا في ذلك الشخص الذي يُدعى "الخليل كوميدي" المثال الواضح، فرغم عدم دراسته أو إلمامه بأي شيء يخص الإعلانات أو التمثيل، وجدناه يتحول إلى مادة رائجة خلال شهر رمضان الماضي والذي قبله، وذلك بسبب واحد وواضح من قبل المنتجين وهو أنه "جاذب للمشاهدة على الأونلاين" أي كان مستوي المحتوي الذي يقدمه.

ببساطة، كل ذلك أراه طبيعياً ومنطقياً لمجتمع سكت أمام فكر فاسد وضال رسخ أن نقل المشاكل "بحذافيرها" جزءًا من إظهار الحقيقة، ورسخ أن من حق أي شخص حتى لو كان جاهلاً أو مغيبًا أن يكون "مشهورًا" طالما كانت هناك أغلبية تسير خلفه، ولهذا لا عجب أنه ما إذا قرر "الدجال" القدوم، فيبدو أن هذا الزمن الذي نعيشه هو الأمثل له!

إعلان

إعلان

إعلان