خطأ بشري

في حديثه أمام لجنة النقل في مجلس النواب، قال وزير النقل: إنَّ حادث قطار الإسكندرية الأخير هو نتيجة لخطأ بشري، وإن استخدام التكنولوجيا سيلغي هذه الأخطاء. 

وزير النقل تحدَّث كمَا لو كان يزفُّ لنا اكتشافًا، مع أنه لم يقلْ لنا سِوى ما كنّا نعرفُه بالفعل. الحوادث والناس يموتون إمّا بسبب كوارث طبيعية، أو بسبب أخطاء بشرية. الزلازل تقتل، وكذلك الفيضانات والانهيارات الأرضية والصّواعق، أما ما عدا ذلك فالحوادث كلها تحدث بسبب أخطاء بشرية. حتّى الكوارث الطبيعيّة فإنها في مرَّاتٍ كثيرة لا تقتل البشر إلا عندما يُخطئ البشر في التعامل مع الطبيعة. فالفيضانات والسيول لا تقتل البشرَ إلا عِندما يقوم البشر ببناء منازلهم في مخرّات السيول وفي المناطق المنخفضة المهددة بالفيضان. 

الزلازل تقتل البشر عندما يتم بناء المباني شاهقة الارتفاع في مناطق تضربها الزلازل، أو عندما يفشل البشر في تطبيق قواعد حماية المباني من الزلازل. 

البشر عِندنا مُبدعون في التهرّب من المسئولية وتحميلها لقوى مجهولة. "أفلتتْ عَجَلَةُ القيادة من السائق، فاصطدم بسيارة أخرى". عَجَلَة القيادة لا تفلت، ولكنَّ السَّائق يتركُها تفلت لأنه انشغل عن الطريق، أو لأنَّه كان تحت تأثير المخدر. "فقد السائق السيطرة على السيارة"، وكأن السيارة قررت أن تسرع من تلقاء نفسها، حتى غلبت السائق وخرجت عن سيطرته. "وقع الحادث بسبب الشبورة المائية"، مع أن الشبورة لا تقتل الناس، ولكن الناس يموتون عندما يصرون على قيادة السيّارات في الشبورة الكثيفة بسرعات عالية. 

الأخطاء البشرية هي المسئولة عن الكوارث والحوادث، والأمر لا يحتاج إلى وزير ليقول لنا ذلك. لكننا نحتاج للوزراء، والقوانين، وجداول الصيانة، ونظم التدريب، وقواعد الإدارة والعمل، ولوائح الثواب والعقاب، نحتاج إلى كل هذه الأشياء من أجل الحدِّ من الأخطاء البشرية. كان مطلوبًا من الوزير أن يقول لنا كيف فشلتْ منظومة العمل في السكّة الحديد في منع الخطأ البشري، لا أن يقول لنا إن الحادث وقع بسبب خطأ بشري. 

وزير النقل وضع اللومَ كله على نقص التمويل، وما تسبب فيه من عجز هيئة السكّة الحديد عن متابعة التطوّر التكنولوجي. أُحذّر من تصديق الوزير، فالخطأ في منظومة السكة الحديد له علاقة باللوائح وقواعد العمل وأساليب التدريب ونظم المحاسبة، ولن يتغيّر الأمرُ كثيرًا لو أعطيْنا للوزير كل ما يطلبه من أموال، أو اشترينا له كل ما يطلبه من تكنولوجيا. عندما تصل التكنولوجيا الحديثة لأيدي بشر يعملون في إطار منظومة السكة الحديد الفاسدة فإنها ستتحول إلى ألعابٍ جديدة يلهو بها الموظفون وسائقو القطارات، وربما جعلتهم أكثر كسلًا وإهمالًا ظنًّا منهم أن التكنولوجيا الحديثة سوف تقوم بالعمل نيابةً عنهم، فهكذا قال لهُم الوزير.