- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
حين هبطَ إعلان الهامْبُرجَر الأوّل على سطح الحياة في مصر تليفزيونيًّا في السبعينيّات كان تعبيرًا مبكرًّا واضحًا عن بدء دخولنا مجال العوْلمَة، تمَّ ذلك خارج حدود الجدَل ومن غير حديث فخم ومصطلحات ثقافية معقدة مختلف عليها، بل دخلتْ العولمة عبر ما يستطعمه البعضُ دون كثير من تفكير مؤرق، وهكذا بدأ الانفتاح قويًّا بشريحة الهامبرجر تتوسط شطيرتين من الخبز من غير ضرورة أن تكون طازجة بل هي دائمًا محفوظة ولتفرض إعادة تعريف كلمة "الساندوتش" من جديد في المعاجم والقواميس العربية.
أتذكر افتتاح الفرع الأول وكيف اصطف فى صور الإعلانات من جذبهم الإلحاح المتكرر والمنبهرين، وقتئذٍ جاء إعلان الهامبرجر متسلّحًا بكل ما هو مبهر ليقدّم للمشاهد نمط حياة يبشر به ويصحبه، هذا المشاهد الذي عاش تجربة ساندوتش الفول والطعمية طفلًا وشابًّا وكهلًا، وأضاف مع الوقت تحديثًا بسيطًا بأن وضْع أقراص الطعمية الساخنة في أرغفة الفينو ومعها شرائح طماطم بالشطة، كان هذا هو التحديث الأكبر الذي دخل على صنعة الساندوتش المصري المعروف، يطلبه تلاميذ المدارس هربًا من روتين ساندوتش الطعمية التقليدي.
وفجأة دخل ساندوتش الهامبرجر الأول شهي المنظر، مصحوبًا بذلك التغليف الجديد والمدهش، الذي يختلف كلية عن شكل ساندوتش الفول الموضوع في كل ما تيسَّرَ من ورق كراسات وكتب التلاميذ التى يبيعونها في نهاية العام لمحلات الطعام أو لبائع الروبابيكيا ويتولى توريده لمحلات الفول، وقد تتعثر وأنت تفتح الورقة التي تضم الساندوتش في صفحة من كراسة إملاء عليها الدرجة بخطٍّ جاف أحمر أو حتى صفحة من كتاب التاريخ المدرسي المقرر.
كان الإبهار والإيحاء بالاختلاف والتميز عنصرًا ضروريًّا لإزاحة الهوية في تقاليد الطعام المصرية الراسخة، ثم إنه ساندوتش يضم أيضًا لحومًا، تلك السلعة التي ظلّتْ دائمًا في التراث المصري عزيزة تمامًا.
منح الإقبال على الهامبرجر شارة التفرنج لكثيرين، لم يتحدثْ أحدٌ وقتها، ليعرف الناس الفروق بين طعامين مختلفين، حتّى استقر الهامبرجر تصحبه أخته الكولا في كل بيت، وصارتْ المشروبات الطبيعية "القديمة" تنسحب رويدًا، والتي هي مما تنبت الأرض كالتمر والخروب والكركديه، خاصة وهي تحتاج في تجهيزها وقتًا وجهدًا، لتصير غالبًا مشروبات موسمية، وتمر الأيام ليأتي زمان لا يستطيع أحد فيه أن يقنع طفلَه مثلًا أن يتخلّى عن زجاجة غازية ملونة بالأحمر والأخضر ليخوض بشجاعة تجربة شرب العرقسوس أو الخروب أو التمر، وسيحتاج المرء حينها إلى عزم وصلابة محاربٍ ودُعاءِ صالحٍ، فضلًا عن إعلان راقص يضمّ أولادًا وبناتٍ يضحكون ويجرون مبتسمين كأثر فوري مؤكد لتناول ذلك المشروب القديم الجديد.
تتحول الكثير من العادات والتقاليد مع تغيّر نوع الطعام والمشروبات، فمثلًا مشروب العرقسوس والتمر والخروب بمثابة مشروب جماعي تصنعه الأسرة ويوضع في الأكواب ومن دورقٍ واحدٍ في أمسيّةٍ واحدةٍ أو جلسة طعام تجمع الكُل، ودائمًا طازج، بينما زجاجة أو علبة "كانز" الصودا الغازية تؤخذ منفردة، وتشرب في طقسٍ أُحاديٍّ صارمٍ في طقوسِه، هكذا ستكرس وجبات الهامبرجر فكرة الغياب المتقطع ثم الدائم بعد ذلك لأفراد الأسرة عن مواعيد الطعام المنتظمة في المنزل، بل وستنصح الأسر أولادها انشغالًا أو محبة ولعدم القدرة على إقناعهم بالعودة لتناول الطعام المنزلي: "ابقى هات لك ساندوتش".
مرت مرحلة سيادة الهامبرجر بدورة حياة كان الإقصاء فيها مهمًّا عقليًّا ودلاليًّا لمنافسيه المحليين، وحيث تحول فيه الكشري إلى "أكلة بلدي" وفي عرف البعض "لوكال قوي" فضلًا عن إشارة خفية إلى رائحة الثوم والبصل، كما مثل فيها إقصاء الفول والطعمية تعبيرًا عن رفض ما يعرفه الآباء وتمردًا ونوعًا من التحديث، تزامن مع كل ذلك سخرية انتشرت عن أن حبوب الفول في العالم ليستْ طعامًا للبشر، وظهرت السخرية قاطعة بعد ذلك في مسرحية " المتزوجون" حين جاءت إهانة الفول قاضية.
ستمضي الآلة الإعلانية قويّة، وتزداد فروع تلك المأكولات والمشروبات لتغزو بنعومة الأقاليم والمدن الصغيرة، وسيقنعونك حتى في رمضان بأن طقس ومشروب الإفطار الذي عاش عليه الناس قرونًا لبنًا رائبًا أو تمرًا ذائبًا في ماءٍ بداخله ما تيسّر من أشياء ويصاحبه دوارق العرقسوس والكركديه بأنه كله "مايرويش عطشك"، وأنه ربما مدفع الإفطار ذاته لن يأتي سوى عندما تضع الزجاجة الغازية الكبيرة على المائدة وتمنح لأسرتك نصيبهم اليومي من مشهيات "البقلظة".
كما طبيعة دورات الحياة تضم ما يصعد وما يهبط، جاء الهامبرجر غريبًا ولا يمضي مكتسحًا منفردًا وحيدًا، فها هي سلاسل محلات الفول تأخذ من عولمة الهامبرجر حسن خدمتها وجودة تغليفها وتنوّع طرق تقديمها وتنتشر، ويرتفع سعر الفول وساندوتشاته في المقابل ربما لينتقم، وها هو يعود الكشري فروعًا منتشرة مصحوبة بالدليفري ساخنًا.
وتظل ذاكرة الفول قوية نابضة في طبقه الذي يمكنك أن تضيف له ما شِئت من مشهيات التناول، والذي سيكون في كل مرة مختلفًا، تطفو فوقه صباحًا سخونة الزبد لينة شهية، تشعر أنه يحكي شيئًا تعرفه وبه بعض روائح شوارع طفولتك وكلمات أهلك ومشاغبات الأصدقاء الذين عرفتهم ذات يوم واجتمعتَ معهم على طبق فول واحد.
إعلان