لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وتطيب الحياة عيداً.

وتطيب الحياة عيداً.

د. هشام عطية عبد المقصود
09:01 م الجمعة 01 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

د.هشام عطية عبد المقصود

نسائم العيد أترقبها وتعرفني، تأتي عبر الأيام على مهل، ثم لتحضر مكتملة العبق، ربما هي ألفة الزمان أو هو فرط الحنين اعتيادا محبا وانتظاراً يقتدي بالبهجة سعياً، تلك النسائم التي تحمل روائح أيامنا وتفاصيل حكاياتنا، والتي هي أيضا تشبه ملامحنا وتعيد تثبيت مشاهد الحياة التي نحبها في الذاكرة، ثم تمضي أيامها تملأ الروح طمأنينة، وتبدأ بشائر نسمات العيد بتوديع المسافرين إلى الحج، نسلم عليهم ونلح عليهم بوعد الدعاء ثم نطلق الأمنيات أن يمنحنا الله فضل حج بيته الكريم لنعود كما ولدتنا أمهاتنا ومعنا زاد من صبر جميل.

تعرف أنه العيد قد جاء حين يتناهى إلى سمعك أغنية أم كلثوم تتصاعد لحناً وكلمات في مساء ليلته، ثم لتتضح شدواً فريداً وأنت في طريقك نحو منزل العائلة "هلالك هل لعينينا فرحنا له وغنينا"، ستكسو ملامحك تسامحات متفهمة مع كل ازدحام الشوارع، وتنظر إلى المارين بود وكأنك تعرفهم جميعا، تتمنى أن تلقى سلام العيد مبكرا عليهم، هدوء يفيض ويستمر، يمحو كل غضب أو توتر، فنمضى نرتقي بالسلام فوق خصومات الأيام أو بعض شجن ساعاتها ودوائر التفكير المؤرق، ثم يكتمل طقس الاستعداد للعيد بالبحث عن ذلك الجلباب الأبيض الناصع الذي أهداه لك أبوك، صرت تسميه جلباب العيد، يعرفك الجلباب فرحا حين تستخرجه مطويا بعناية حاملا روائح عطرية، لتسأل هل تظل للأعياد ومهما مضت الأيام روائحها؟، روائح حضور الذين أحببت، أؤكد ذلك، أعرفها تماما في جلباب أبي.

العيد يصنع القرب، يجدد دوائر الونس بالأهل والأصدقاء، يفض امتدادات غربة السؤال التليفوني ورسائل الموبايل الجاهزة، لتتلاقى الأكف مصافحة مشددة بالتحية، ثم أن تتحسس الطعم الطازج لجملة " كل سنة وأنت طيب"، هي فتح لفظي يغير سمت ألفاظ متداولة متكررة طوال العام، تمنيات طيبة وسعادة مشرقة تكمن في هذه الكلمات القلائل، تستشعرها نابضة تماما.

يطيب السهر في ليلة العيد، لا يقطع سامره سوى ذكريات الفرح، وحضور مظلل طيب لكل الراحلين، أقول كل سنة وأنتما في رحمة الله ومغفرته حين أبصر صورة أبي وأمي معلقة على جدار الغرفة، وكأني أرى عيونهما ترد السلام، وتشارك معنا حكاياتنا التي يحضرون فيها، فيطيب دفء الحياة مكتملا.

تعبر مصر كلها عن نفسها جميلة متسامحة خيرة متكافلة في الأعياد، وكل على حسب استطاعته، فتتنزل الرحمات كقطرات مطر عظيم يغسل وجه الأرض فتزهر، تعرف العيد هنا بلون "الوشوش" الصغيرة منطلقة، والوجوه الكبيرة هادئة متخلصة من وجع ووهن التفكير فيما جاء وما قد يأتي، لتصنع حالة تصالح وتمهد الحياة لوصال العيش رضا في رحاب الله، ثم ها هم الأطفال يلونون بملابسهم الجديدة صباحات العيد زهوا لا يبارح، يجبر الكون على الامتثال للعيون المتألقة بوهج المشاغبة اللذيذة.

تعرف العيد من كل تلك الوجوه التي رغم إرهاق السهر تحرص على الذهاب إلى صلاة العيد مكبرة مستبشرة ساعية، تدركها في كل تلك الأسر المتوافدة نحو ساحات صلاة العيد، عائلات كبيرة تجتمع معا في سيرها لا تفرق بين ولد أو فتاة، امرأة أو رجل، الكل يمضي معا سعيدا في اتجاه تلك الأصوات المكبرة والمهللة، والتي تعلو في تناغم رغم تداخل آلاف الأصوات، وجوه الآباء والأمهات تحتشد بمودة النظر نحو أطفالهم، الأجداد والجدات يمضون في رفقة ورعاية الأبناء والأحفاد، جميعهم يطلقون صوت التكبير ليعلو، بينما الصباح المبكر يمنح مظلة فطرته الأبدية وحبوره على الجميع كأنه يقدم تهنئة العيد، كل ذلك يؤصل شيئا مهما ويكتب لوحات الاستمرار بقاء في كتاب أيام الحياة الهنيئة في محروسة البلاد مصر، وحيث يعلو صوت فؤاد حداد واصفا وجه الحياة هنا في صباح العيد "القمح قايم في الضحى مسرور".

إعلان

إعلان

إعلان