لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سائحات قادمات وخطورات داهمات

سائحات قادمات وخطورات داهمات

أمينة خيري
08:50 م الإثنين 25 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فلنغمض أعيننا، ونأخذ شهيقًا عميقًا، ونشطح بأذهاننا بعيدًا ونتخيل معًا! بعد سنوات عجاف وأوقات صعاب وتضييقات شداد، انفتحت أبواب السياحة القادمة إلى مصر على مصراعيها، سياحة شاطئية وأخرى ثقافية وثالثة علاجية ورابعة “ترانزيت” وخامسة مؤتمرات وهلم جرا. هذه العودة –التي يفترض أن تكون محمودة- تعني أن كائنات أنثوية ستطأ أرض المحروسة.

ولنتخيل معًا المشهد حال تواجد هذه الكائنات في ميدان التحرير مثلًا، أو عند أهرامات الجيزة، أو في خان الخليلي. ولنسرح بخيالنا لنصل إلى شواطئ شرم الشيخ والغردقة – ولن أقول الإسكندرية- ومنهما إلى الأقصر وأسوان. هل تلمحون نظرات وعبرات وفحوصات وتمحصات الأخوة من المواطنين الشرفاء؟!.

تنويهة سريعة هنا تشير إلى أن هؤلاء الزائرات والسائحات لا يتبعن مقاييس "الأيزو" المصرية الأخيرة في الملبس والمظهر. وقبل أن تُستنفر قرون استشعار الفضيلة والبعد عن الرذيلة حيث ربط شرطي بين السائحات والعري واتهامات سابقة التجهيز، حيث ما سبق من كلمات يعكس ترويجًا للخروج على العادات والتقاليد إلى آخر المعلقات المعروفة، فإن المسألة المطروحة للخيال هنا تتلخص في ما ستلاقيه السائحات المنتظرات من مصيرين لا ثالث لهما. فإما بصبصات وتمحصات وتحرشات منبعها أن كل أنثى قادمة من بلاد الغرب هي زنديقة تبحث عن المتعة الحرام وتتشوق للدكر المصري الهمام وترحب بكل همسة ولمسة مهما بلغت من تدنٍ وقرف واشمئزاز. وهذا المصير لخصته بإبداع مسرحية الهمجي حين أخذت البطلة الأجنبية تردد بفخر وسعادة “إيجيبشان هيبوسني”، وذلك في إشارة ساخرة إلى الخيال غير العلمي والمعتقد الوهمي الذكوري المصري بأن الوله يقتلُ الغربيات والشغف يصرعهن بحثًا عن ذلك الدكر الجبار.

أما المصير الآخر فهو الهمز واللمز والنظرات المخترقة خصوصية الآخرين والتعليقات “الظريفة” على ملابس هذه والجمل “اللطيفة” من نوعية “هع هع هع بص ياله عاملة شعرها إزاي؟!” أو”إيه يابرنس ده؟ بلاعة حريم طفحت هنا ياجدع؟” أو "أقسم بالله العالم دي ولاد....." وغيرها كثير.

وبالطبع من الوارد جدًا بل في حكم المؤكد أن “شرطة الأخلاق الحميدة” القابعة في قلب كل مواطن وجماعات الأمر بالمعروف المتبلورة في عقلية الجموع والحشود التي نصَّبت نفسها دعاة ومصلحين يهدفون إلى تقويم المظهر وتهذيب الشكل الخارجي، شرط عدم المساس بالجوهر وعدم الاقتراب من مسائل فرعية مثل النظافة الشخصية والضمير والعمل والعلم واحترام حقوق الآخرين وحرياتهم وغيرها من الأمور التي لا تشغل بالنا كثيرًا، أو نلتزم بها إذ يكفينا مظهرنا الملتزم.

التزام الشابة الآسيوية بملابس طويلة فضفاضة وقبعة تقيها حرارة الشمس قبل أيام في ميدان التحرير لم يشفع لها. فبدءًا بنظرات عساكر الأمن المركزي مرورًا بدوران رؤوس السيدات والفتيات ومنهن من أخذت تشد عينيها للتريقة على شكل المسكينة وانتهاء بالصبية والشباب الذين رأوا في ملاحقتها حرية شخصية وظرافة فعلية، أستطيع القول إنني لو مكانها فسأعود إلى بلادي على أول طائرة.

الطائرات التي توقفت عن الهبوط في مطاراتنا بعد الهجمة الشرسة على السياحة في بلدنا قطعت أرزاق ملايين البيوت. لكن مع توقف الطائرات توقفت كذلك رغبتنا في أن “تقوم لنا قومة”. البلد الذي يفاخر بأنه سليل سبعة آلاف سنة حضارة، وكان الراعي الرسمي والمشيد الأصلي لحضارات دول قريبة، وكان حتى سنوات قليلة مضت متعايشًا مع كائنات تُعرف بـ”السياح” يجد نفسه في العام الـ17 من الألفية الثالثة غير مؤهل – لا لاستقبال السياح أو إعاشتهم أو خدمتهم – للتعامل معهم.

وبينما أتابع ما تتعرض له الشابة الآسيوية من انتهاك لأدميتها وخصوصيتها وحريتها وأغمض عيني لأتخيل المشهد بإضافة سائحات قادمات من أوروبا وروسيا وأمريكا إلخ إذ بصوت نسائي مجلجل يخبطني: “شوف ياختشي الولية لابسة إيه؟! هيروحوا من ربنا فين ولاد الـ...” وراحت السيدة في طريقها وهي تشبشب بشبشبها ذي الكعب العالي وتميل بقوامها الواضح وضوح الشمس تحت عباءة سوداء مطرزة بكم هائل من الترتر وأصغر منها بمقاسين على أقل تقدير. أما ربنا: فله وحده أشكو همي وغمي وهم مصر وغمها وأقول له: اللهم قنا شر المخاطر القادمة!.

إعلان

إعلان

إعلان