لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًّا؟ (2)

هل نحن بلدٌ فقيرٌ حقًّا؟ (2)

د. عبد الخالق فاروق
09:01 م الخميس 07 سبتمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أشارتْ تقارير منظمة النزاهة المالية الدولية أن حجم التدفقات غير المشروعة من مصر، إلى الخارج نتيجة للفساد الحكومي يُقدَّر بحوالي 57 مليار دولار، خلال السنوات الممتدة من عام 2000 حتى عام 2008، أي بإجمالي مبالغ تُقدَّر بأكثر من 336.8 مليار جنيه مصري، خلال هذه السنوات التسع وحدها (بسعر الصرف 5.91 جنيه للدولار)، وأنَّ السنوات الثلاث الأخيرة من هذه الفترة، قد شهدتْ زيادة ملحوظة في حجم هذه التدفقات غير المشروعة إلى الخارج، حيث بلغتْ عام 2006 حوالي 13.0 مليار دولار، وفي عام 2007 بلغتْ 13.6 مليار دولار، وفي عام 2008 بلغت 7.4 مليار دولار (18).

وقد فجَّرتْ فضيحة ما يُسمى "أوراق بنما"PANAMA PAPERS في أواخر عام 2015، هذا الجرح الغائر من جديد، سواء لدى الشعب المصري، أو شعوب العالم المنهوبة من المستبدين وطبقة رجال المال والأعمال الجديدة، في هذه المجتمعات التي جرى تخليقها معمليًّا في المختبرات الأمريكية والأوروبية ومؤسسات التمويل الدولية، ومما أظهرته هذه الأوراق حتى الآن:

1- أنه قد تبين أن هناك 250 ألف شركة مسجلة بنظام الأوف شور في مكتب المحاماة المسمى موساك فوسيكا في بنما MOSSACA VOSICA معظمها مجرد شركات وهمية بهدف التهرُّب الضريبي وإخفاء الأموال لأصحابها (19).

2- أظهرتْ أوراق بنما تلك أن هناك موظفة فقيرة في مكتب المحاماة هذا تترأس أكثر من 11 ألف مجلس إدارة من بين هذه الشركات الوهمية.

3- أظهرت هذه الأوراق أنَّ في فرنسا وحدها 250 ألف شخص من كبار الشخصيات، ورجال المال والأعمال والأنشطة الرياضية وغير الرياضية، قد تهرَّبوا من دفع الضرائب عبر إنشاء هذه الشركات الوهمية التي أُسِّست في خارج فرنسا، ووفقًا لخبير التحقيقات الضريبية الفرنسي "مسيو رولان فابيو"، قد استطاعوا إخْفاء حوالي 250 مليار يورو خارج البلاد، وأنَّ من شأن كشف هذه الأوراق أن تستعيد فرنسا هذا المبلغ (20)، وأن من بين هؤلاء أسماءً كبيرة منهم مثلًا المحامي (أرنوالد كلود) شريك الرئيس الفرنسي السابق (نيكولاي ساركوزي) في أعمال المحاماة، الذي مارس عمليات احتيال وإنشاء شركات وهمية وعمليات غسل أموال.

4- أن مكاتب المحاماة الأجنبية التي تقوم بهذه الأعمال القذرة، سواء في قبرص وجزر الكايمان أو جزيرة العذراء البريطانيتين، أو جزيرة مونت كارلو الفرنسية وغيرها تحصل في المتوسط على نسب عمولات تتراوح بين 1% إلى 3% من قيمة الأموال المهربة والمحولة عبر البحار والمحيطات.

5- كما تبيَّن أن هناك بنوكًا كُبرى وذات سمعة عالمية تقوم بهذه الأعمال القذرة ومن ضمنها بنك HSBC البريطاني، وبنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، وبنك "أدموند دو روتشيلد" السويسري، وجريدي أجريكول الفرنسي، وبنك U.B.S السويسري الشهير، وشركة "فيدو سويس"، وغيرها كثير، فعلى سبيل المثال أظهرت الأوراق أن بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، قد أنشأ 136 شركة وهمية في الملاذات الضريبية الآمنة، لمساعدة عملائه على التهرّب الضريبي، أما بنك "أدموند دو روتشيلد" الكبير والشهير ومديره (مارك أمبروزيان) والكائن مقره في لوكسمبرغ فقد سجَّل 142 شركة وهمية، ووضع عناوينها في مقر البنك في عنوانه في لوكمسبرغ، ومن بين هؤلاء رجلٌ إماراتي يُدعى "خادم القبيسي" كان يعمل مستشارًا ومسئولًا ماليًّا في حكومة الشيخ زايد آل نهيان، نجح في إخفاء أكثر من مليار يورو عبر صناديق استثمار في ماليزيا والجزر البريطانية، وبنك "أدموند دو روتشيلد"، سارقًا إيَّاها من صندوق أبو ظبي السيادي (أبيك) (21)، وقد تبيَّن فيما بعد أن هذا الرجل كان شريكًا لكل من علاء وجمال مبارك في بعض أنشطتهما في الخليج و في غير الخليج.

6- كما كشفتْ أوراق بنما، الشبكة الواسعة الممتدة من نيوزيلاندا وهونج كونج شرقًا، مرورا بماليزيا ودول جنوب شرق آسيا، وصولًا إلى أوروبا في قبرص وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وعطفًا على جزر المحيط الهادي في الباهامس وسامورا، انتهاء إلى ولاية ديلاور DELWARE الأمريكية (22).

وقد ساعد حسني مبارك على عمليات السرقة والتلاعب المالي –والتي أدين في قضية القصور الرئاسية ونجلاه جمال وعلاء– أن ميزانية رئاسة الجمهورية كانت كبيرة، وغير مراجع عليها من الأجهزة الرقابيّة، بحيث أن الجزء الغاطس منها كان كبيرًا جدًّا من خلال ما يُسمى الصناديق والحسابات الخاصة التى يملك رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات جمهورية بإنشائها دون رقيب أو حسيب، وتسريب جزء كبير من أموال المساعدات والمعونات العربية والأجنبية إلى هذه الصناديق، وكذلك جزء من إيرادات هيئة قناة السويس. فمؤسسة الرئاسة تمتلك 65 قصرًا، وتشرف 9 إدارات أو قطاعات إدارية على أعمال مؤسسة الرئاسة مما يُسهل عمليات إخفاء الأموال (23).

هذا علاوة على عدة مليارات من الجنيهات المصرية والعملات الأجنبية المتنوعة تضمُّها أكثر من ثمانية صناديق وحسابات خاصة لا يعرف عنها أحدٌ شيئًا سوى عدد محدود جدًّا من العاملين في رئاسة الجمهورية في مقدمتهم اللواء الدكتور زكريا عزمي والسكرتير الخاص للرئيس المرحوم جمال عبد العزيز، ومسئول الشئون المالية بالرئاسة.

فهل هذا تعبيرٌ عن دولة فقيرة.. وفقيرة قوى كما يقولون.

إعلان

إعلان

إعلان