لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القاهرة.. المدينة والسياسة

القاهرة.. المدينة والسياسة

محمد شعير
09:02 م الخميس 04 يناير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في السير الشعبية، يقال إن أميرة طلبت من أبيها قصرًا، فأسس لها مدينة، وأسماها باسمها "القاهرة". هكذا من رحم الأسطورة ولدت القاهرة، وظلت أسطورة. ولكن كيف تشكلت مدينة مثل القاهرة؟ وهل يمكن كتابة تاريخها من خلال عمارتها؟

أسئلة طرحها الدكتور نزار الصياد، أستاذ العمارة والتخطيط والتاريخ العمراني في جامعة بيركلي، في كتابه المهم "القاهرة: تواريخ مدينة" الصادر مؤخرًا بالعربية في المركز القومي للترجمة.

المدن كالأحلام، كما يقول إيتالو كالفينو، الخطوط تبدو سخيفة، ومشاهدها يمكن أن تبدو خادعة، وكل شيء فيها يخفي شيئًا ما وراءها، ويجب ألا تأخذنا البهجة بعجائب المدينة، سواء أكانت العجائب سبعًا أم سبعين، ولكن في الأجوبة التي يمكن أن تعطيها لنا المدينة التي نوجهها، أو في الأسئلة التي تقوم هي بتوجيهها إلينا في المقابل.

من هذا المنطلق يكتب الصياد تاريخًا لمدينة القاهرة، مستعينًا بروايات نجيب محفوظ، وجمال الغيطاني، وخيري شلبي، وعلاء الأسواني.. وتقارير الرحالة والمغامرين، وأهل المدينة نفسها.

تاريخ أي مدينة – حسب الصياد- هو تاريخ الأشخاص، والأماكن، والأحداث، كما أن الهيكل المؤسسي لمجتمع ما، من يحكمه، وكيف يحكمه، غالبًا ما ينعكس في عمرانه، كما أن الطموحات السياسية للحكام ونزواتهم أيضًا قد تحدد الشكل الحضري للمدينة، وربما للوطن بأكلمه. وهكذا يمكن أن يكون شكل المدينة خارطة طريق يمكن بواسطته فك رموز تاريخها القديم.

نقرأ عن منف أو منفيس، ثم قاهرة مصر القبطية، والفسطاط، والقطائع، وصولًا إلى قاهرة "الهروب من الحاضر واستهلاك التاريخ"، حسب تعبير الصياد، في عهدي السادات ومبارك. أو الجمهورية العربية في عصر عبدالناصر.

على النقيض من محمد على، اعتبر عبدالناصر القاهرة ملعبه الخاص، حيث جرت في تلك الحقبة تحولات عديدة داخل المدينة، وكانت بداية لعهد من التخطيط المكثف الذي ربط بين أنظمة الإنتاج والاستهلاك الجماعي والبنية التحتية للنقل والإسكان. ويرى الصياد أن المبنى الذي يكشف طبيعة المرحلة هو برج القاهرة الذي أقيم كإشارة واضحة على عهد جديد من التطور، وبدأ حقبة سياسية جديدة. سياسات عبدالناصر الاشتراكية أحدثت ليس فقط تغيرات اجتماعية واسعة النطاق، وإنما أيضًا تغييرًا في الشكل المعماري للمدينة "أدت الاشتراكية إلى توجيه نمط الهندسة المعمارية لتجمع بين كل من صلابة الكتلة والتوحيد الفعال لتحقيق العدالة الاجتماعية".. تم تصميم المباني على النمط السوفيتي الحديث" مبانٍ ضيقة دون المستوى، من خمسة طوابق دون مصاعد، وتعتبر هذه المباني أداة أيديولوجية للاشتراكية، فبالإضافة الى التحرك نحو القومية العربية الشاملة، أصبحت الأداة الأساسية لمشروع عبدالناصر، حيث ساعدت هذه المساكن الشعبية التي تحيط بالعاصمة على الحفاظ على النظام في المناطق العمرانية، والولاء الجماهيري لنظام الحكم".!

أما قاهرة (السادات ومبارك)، وهي فترة زمنية واحدة، توسعت فيها العشوائيات من جانب، وجزر الترفيه والاستهلاك المنعزلة من جانب آخر، ما عكس انقسامات أعمق في النسيج الاجتماعي والحضري في مدينة منقسمة بالفعل.. أصبح لدينا "قاهرتان".. الأولى تضم سلسلة فنادق عالمية وأبراجًا لمكاتب شاهقة على طول النيل، ومراكز تجارية تتسم بالفخامة والضخامة، ولدينا في المقابل قاهرة أخرى فقيرة متهالكة تصارع من أجل توفير بيئة قابلة للحياة لسكانها.

يختتم الكتاب بسؤال عن المستقبل.. مستقبل القاهرة: هل ستقوم المدينة باستغلال تراثها الممتد.. أم ستستمر حالة الفوضى والغموض داخل المدينة "القاهرة".. سؤال الزمن وحده كفيل بالإجابة عنه!

 

إعلان

إعلان

إعلان