لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 في رثاء قيمة مظلومة.. أحمد عبدالوارث

في رثاء قيمة مظلومة.. أحمد عبدالوارث

محمد حسن الألفي
09:00 م الأربعاء 17 أكتوبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يهتز قلمي ويدق قلبي على وقع دموعي إذ أكتب عن وفاة أحمد.

كنا طيلة عام تقريبًا نتوقع أن يرحل عنا أحمد عبدالوارث بعد اكتشاف الورم اللعين. لكن صبره وشجاعته ودأبه وعمله جميعها جعلتنا ننسى أنه يعانى صامتًا محتسبًا. هو فنان قدير بامتياز، ولم ينازعه إلا الظلم والعته والإهمال وإقصاء المحترمين! هو دفعة نور الشريف وأحمد زكي وعفاف شعيب... وكان واعدًا تلك الفترة...عرفت أحمد عبدالوارث نجمًا متوهجًا في بيت القاضي، وغول تمثيل في قصة الأمس مع إلهام شاهين وميرنا ومصطفي فهمي، وأحببته في عشرات الأدوار في مراحل عمره الفني المختلفة من مأساة جميلة إلى الجزء السادس من ليالي الحلمية إلى المرافعة وغيرها وغيرها. كان نجمًا مبشرًا لكن خلافًا جوهريًا مع قطاع الإنتاج ورئيسه في وقت الازدهار الفني ظل بمثابة القيد الذي كبل قدمي النجم المحبوب، وظل أغلالًا في يديه، لكنه لم يلبث أن حطم القيد وانتصرت الموهبة. يمتاز أحمد عبدالوارث بالكياسة والرزانة واحترام الناس. هو شخص خلوق بالفعل، وعلى مدى عامين ونصف العام تقريبًا كنا نلتقي في الصالون الثقافي للفنان التشكيلي والأديب والمنتج والموسيقار حسين نوح شقيق نجمنا محمد نوح.

في الصالون الذي يضم نخبة من العقول المثقفة والمفكرة كانت جلسات النقاش تدور، يشارك فيها أحمد عبدالوارث، وكان يختار وقت المشاركة في آخر الجلسة يبلور ما جرى ويطرح رؤيته.

على مدى هذه الفترة تشاركنا أنا والدكتور أسامة أبوطالب أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون ورئيس البيت الفني للمسرح سابقًا، ومعنا دكتور هشام أبوالنجا الطبيب الأديب في قراءة نصوص أدبية كاملة، فقد قرأ حسين نوح روايته الشهيرة تعاريج وهي أولى تجاربه، وكان أحمد عبدالوارث هو الذي أحس بتفرد هذا العمل، وضرورة طباعته، كما قرأنا سويا روايتي القصيرتين (العايقة والمجذوب، والمرأة التركوازية) ومسرحيتي (القفص)، وقرأنا نص رواية حسين الثانية (الشبورة). في هذا كله وفي مناقشات معمقة حول قضايا البلد وهموم الوطن كانت إنسانية النجم القدير أحمد عبدالوارث وثقافته بارزة ومؤثرة، وكثير من آرائه أخذ بها نوح وأخذت بها في أعمالي الأدبية.

كنا نحسد عبدالوارث لأن الله منحه زوجته الطيبة العاشقة له بكل معنى الكلمة السيدة سوسن العطار، وهي سورية الأصل، صارت مصرية حتى النخاع، ولقد ظهر معدنها الأصيل منذ لحظة اكتشاف المرض اللعين حتى رحيله وهي قوية وصابرة، وهي من كانت تدفعه للمقاومة والابتهاج والعمل.

آخر أعمال هذا الفنان المعتز بذاته، صاحب الكبرياء، كانت في عشق رسول الله علي مسرح البالون (شباب في عين الرسول)، مع النجم أحمد ماهر ومداح الرسول المنشد أحمد الكحلاوي والفنانة مديحة حمدي، ورغم أن المرض كان ينهش في رئتيه، لبث صامدًا قويًا يؤدي دوره التنويري لشباب اليوم من خلال نص عن شباب الإسلام. كان أحمد عبدالوارث يتدفق عطاء ولقد خدمه صوته العريض، فقد تهدج تحت وطأة ضيق الصدر بفعل المرض، لكن النص كان يحتمل تلك الارتجافات الصوتية التي أضافت صدقًا فنيًا ملأ عيون الحاضرين دموعًا.

في المرة الأخيرة من مرضه حسبناه سيعود، لبث عشرة أيام بمستشفى وادي النيل، لم تنقطع زيارات أصحابه في الصالون، ولا تخلى عنه الدكتور أشرف زكي.

يمكنك الاعتماد على رجل اسمه أشرف زكي. كل الوسط الفني يعلم أن أشرف، مع حفظ الألقاب، مدرك لمعنى أن الله سخره لخدمة المحتاجين والمرضي وأصحاب المشاكل في نقابته رئيسًا لنقابة المهن التمثيلية. جاء إلى المستشفى وساند الأسرة في وقت عجز آخرون أو تنكر آخرون أو أعرض آخرون! يجري أشرف زكي في خدمة أعضاء نقابته كما لوكان يركض وراء أهله.... تحية لعطاء من لا ينتظر شكورًا من أحد، يفعله حبًا ورضًا وتفانيًا.

كان أحمد عبدالوارث بشوشًا وكريمًا.. لكن الدنيا والمهنة عبست في وجهه وكشرت عن أنيابها، وبخلت عليه بما يستحقه... لكن الأدوار التي أداها والأعمال الفنية في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية وآخرها أرض جو ستبقى جميعها رمز الجودة الفنية الراقية، والموهبة التي احترمت نفسها.

نبكيك يا صديقي وهانت علينا الدنيا... ورغم انقضاء العزاء أول أمس ظل محبوك لا يبرحون مجلسهم كأنك وسطهم تطالعهم مبتسمًا في صمت.

إعلان

إعلان

إعلان