لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هيبة الدولة..!

هيبة الدولة..!

عادل نعمان
09:02 م الإثنين 10 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الدولة كيان وإقليم جغرافي، وشعب يمارس أنشطته المختلفة، يخضع تحت مظلة هذا الإقليم لشكل قانوني ولنظام سياسي ارتضاه، ووافق عليه، يتولى أمورهم، ويحافظ على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم.

والحكومة هي الشكل القانوني لهذه الدولة، وهي السلطة التي تمارس السيادة والإدارة، ومنوط بها تنفيذ القانون، ومسموح لها باستخدام القوة في أحايينَ كثيرة لتنفيذه، ورضوخ الجميع إليه والإذعان له، فلا حجة لديها.

ولما كانت الحكومة يد الدولة في تنفيذ القانون، فإن هيبة الحكومة من هيبة الدولة، وهيبة الدولة من هيبة الحكومة، ودولة من غير هيبة فوضى، وحكومة من غير هيبة خروج على القانون واستهزاء به واجتراء عليه وعلى من ينفذه.

والهيبة ليس معناها السطوة والعنف والتعسف الذى تمارسه بعض الحكومات بهدف استقرار النظام السياسي للحكام وتأمينهم والحفاظ عليهم فقط، بل الهيبة أكثر من ذلك بكثير، فهي التزام كافة أطراف المجتمع بالقانون والنظام، والامتثال، والرضا والالتزام به عن قناعة، على أنه ضرورة مجتمعية للحفاظ على مصالحهم وحياتهم واستقرار أمورهم، وكذلك ضمان حياة كريمة متطورة ومستديمة.

ويحترم المواطن الدولة، ويحافظ على هيبتها إذا كان مردودها يعود عليه، وتؤمن حياته وأسرته، ولا يحترم هذه الهيبة، ويعتدي عليها ويهزها، ويرجها، ويزلزلها من كل نواحيها وجوانبها راضيا مرضيا إذا كانت هذه الهيبة دون مردود إيجابي أو سلبي، فلا يشعر باحترامها أو تقديرها.

والناس دائما تميل إلى من يعود عليهم بالنفع والمصلحة فردا كان أو مسؤولا أو قانونا أو دولة أو دينًا، وتنصرف عنه إذا فقدت فيه الأمان والفائدة فردًا أو جماعة أو دولة أو دينًا.

هيبة الدولة أن يلتزم المواطن بإشارات المرور دون وجود جندي ينظمها خوفا من العقاب في القليل، وحرصا على حياته وحياة غيره واقتناعه بهذا، في الأكثر منه.

هيبة الدولة في وجود ممثل الحكومة، مهما علا أو قل شأنه، وقديما كان يقف تشرشل من شباك مكتبه ناظرا إلى جندي بسيط يقف مشدود القوام، ويقول: "من هنا تبدأ هيبة الدولة".

ويقصد أن هيبة الدولة تبدأ من المستوى الأقل، وليست عند المستوى الأعلى.

وهيبة الدولة ترفع عن كاهل المواطن أعباءً عدة، فإذا ما ضاعت هيبتها، وتجرأ الناس عليها وانصرفوا عنها، شغل نفسه ووقته وماله وجهده حتى يقوم مقامها، ويحفظ نفسه وأسرته وماله، بل الأدهى أن يأمن شر الغير بنفسه، فلا يصح أبدا مع هيبة الدولة والقانون أن يتأكد المواطن مثلا من صحة تنفيذ وبناء عقار قبل شرائه، أو يطمئن بنفسه أن نفس العقار ليس مخالفا للاشتراطات وحاصلا على كافة التراخيص اللازمة، فهو مطمئن في حال هذه الدولة المهيبة الجانب أنه ما ارتفع البناء على الأرض، وقام مقامه، إلا وكان مرخصا وصالحا وسليما، لكن في حال الدولة المهلهلة هيبتها والخائبة في مركزها، فإن الناس تضيف إلى مهامها هذه المهمات بطريق أو بآخر لتطمئن على سلامة المبنى وتراخيصه وإجراءاته.

في الأولى إذا وجد البناء مرفوعا وقائما، فالدولة بكل كياناتها وهيئاتها المختلفة لن تسمح بوجوده قائما إلا إذا كان مستوفيا شروط وتراخيص البناء وسلامة التنفيذ.

وفى الثانية لا ضمان لهذا، فلا أمان أن يكون البناء على أرض الغير، ودون التراخيص اللازمة، ويفتقد لشروط الأمان والسلامة واشتراطات البناء.

نفس الكلام إذا أقدم المواطن على شراء منتج من المنتجات في السوق، فعليه أن يطمئن أن الدولة قد ضمنت صلاحية هذا المنتج، حتى يتداوله الناس بأمان واطمئنان تحت مسؤولية وضمانة الدولة، وأن يطمئنوا لسلامته، واحتوائه على المقرر المطلوب، فلا تلاعب في الكميات أو المواد أو النسب المقررة؛ فهذه مهمتها ومهمة رجالها، وليست مهمة المواطن في شيء.

هذه هي المسالة في أبسط معانيها. ولو سرنا معًا في كل أنشطة الناس وتحركاتهم، وكان هذا المثال بجوارنا؛ نهتدى به، ونقيس عليه، لعرفنا معنى هيبة الدولة واحترام القانون، ومدى تأثيرها على المجتمع، وأمن الناس وسلامتهم، والأهم تفرغ الناس لشؤونهم واطمئنانهم لسلامة كل ما على الأرض من بناء وطعام وشراب ودواء، فلا يشغل وقته وجهده وماله في البحث عن سلامة ومتانة كل هذا، لأن الدولة صاحبة الحق والولاية قامت بواجبها على النحو الأمثل، حتى لو استخدمت القوة في هذا، ولعرفنا كارثة العكس.

من أين تبدأ هيبة الدولة؟ نعود إلى ما قاله تشرشل، وهو بعيد وقريب.

إعلان

إعلان

إعلان