لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السمنة والرياضة وملاعب الكرة

السمنة والرياضة وملاعب الكرة

د. جمال عبد الجواد
09:00 م الجمعة 21 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الترجمة الصحيحة لملاحظات الرئيس السيسي عن انتشار السمنة هي العمل على تحويل الرياضة البدنية إلى نشاط معتاد للمصريين؛ فلو تعود الناس على التريض بضع مرات في الأسبوع، لخف الوزن وحفظنا الصحة وتحسنت النفسية. لكن أين يتريض الناس؟ هذا هو السؤال.

في نفس الأسبوع الذي تحدث فيه الرئيس عن نتائج المسح الطبي 100 مليون صحة كانت وزارة الزراعة تعلن عن خطتها لإزالة 2496 ملعبا لكرة القدم الخماسية تم إنشاؤها على 765 فدانا من الأراضي الزراعية، والحجة هي حماية الأرض الزراعية. طب الناس تلعب رياضة فين؟

أغلب الملاعب المهددة بالتدمير من جانب وزارة الزراعة موجودة في الوجه البحري في دلتا النيل، حيث يعيش ستون بالمائة من المصريين. دلتا النيل هي القسم الأكبر من مساحة الأرض الزراعية في مصر، وعلى هذه الأرض يزرع الناس، ويربون البهائم، ويبنون البيوت، ويشقون الطرق، ويقيمون المدارس والمستشفيات ومكاتب الحكومة، وعليها أيضا يقيمون الأندية وملاعب الكرة، وإذا كان لهم أن يمارسوا الرياضة، فإنهم سيمارسونها على هذه الأرض أيضا.

مكتوب على أهل الدلتا أن يمارسوا الحياة بكل ما فيها على الأرض الزراعية، ولا يجوز حرمان الناس هناك من السكن أو التعليم أو العلاج أو الرياضة بدعوى الحفاظ على الأرض الزراعية، وإلا كنا نعاقب أهلنا هناك، ونحكم عليهم بالفلاحة طول الوقت، وهو أمر غير آدمي وغير ممكن. وعلى الحكومة البحث عن طريقة لمساعدة أهل الدلتا للتوفيق بين احتياجاتهم والمصلحة الوطنية بطريقة مبتكرة.
مشكلة ملاعب الكرة في الدلتا هي جانب واحد من المشكلة. ماذا عن القاهرة؟ كم بالمائة من أهل القاهرة لديهم القدرة على دفع عشرات الألوف المطلوبة للفوز بعضوية أحد الأندية؟ هل هناك عدد كاف من مراكز الشباب؟ هل مدارسنا فيها ملاعب ومنشآت رياضية؟ ما هو نصيب الفرد من المساحات الخضراء اللازمة للتريض والحصول على نصيب كاف من الأكسجين؟ هل شوارعنا لها أرصفة عريضة ممهدة يمكن للناس الجري أو المشي فوقها بدلا من الذهاب للنادي؟
قد يستطيع الشباب التغلب على بعض هذه الصعاب وممارسة الرياضة فوق السطوح أو في أي خرابة، ماذا عن النساء؟ كيف سيتعامل المجتمع مع فتاة ارتدت زيا رياضيا وانطلقت تجري في شوارع السيدة زينب وأرض يعقوب وزين العابدين؟ هل الوضع أفضل في منشية ناصر والدويقة أم في دار السلام وإمبابة؟ هل حكومتنا مستعدة لتوفير الحماية الكافية لممارسات النساء للرياضة في الحدائق والشوارع؟
ممارسة الرياضة هي بالتأكيد من علامات التحضر والتقدم، وليس مصادفة أن الأمم الأغنى والأكثر تعليما هي الأكثر ممارسة للرياضة والأكثر فوزا بالبطولات الرياضية. في البلاد المتقدمة لا تحتاج إلى أن تكون غنيا محظوظا حتى تمارس الرياضة، فأفقر الفقراء يكفيه أن يذهب للحدائق المجانية عالية الجودة المنتشرة في كل مكان، أو الركض على الأرصفة المستوية النظيفة الموجودة في كل شارع؛ على عكس بلادنا التي ما زالت ممارسة الرياضة فيها امتيازا طبقيا.
تأهيل المجتمع للرياضة يحتاج إلى تغيير ثقافة الناس، ويحتاج أيضا إلى تزويد المدن والقرى بالبنية التحتية اللازمة. المنشآت الرياضية ليست شأنا ترفيهيا وطريقة لقضاء وقت الفراغ، إنها أمر ضروري لصحة البدن والنفس، ولنبدأ بالحدائق والأرصفة الأقل تكلفة، فنكسب مدنا أجمل، وفرصا أكثر وأرخص للتريض.

إعلان

إعلان

إعلان