إعلان

"مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية".. أي تجربة ثقافية هو؟

"مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية".. أي تجربة ثقافية هو؟

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 26 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قبل ست سنوات استضافني "مختبر السرديات" التابع لمكتبة الإسكندرية في ندوة عن روايتي "شجرة العابد". ذهبت يومها متثاقلا إلى معرض الإسكندرية للكتاب، وكان في مكان قصي من المدينة، متسائلا عما إذا كان من المجدي أن أتكبد كل هذا العناء من أجل ندوة أدبية قد لا يحضرها سوى عدد أقل من أصابع اليد الواحدة، في زمن صار بوسعنا أن نتواصل مع جمهور غفير عن بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نحدثهم عن نصوصنا القصصية والروائية، وفي وقت كنت أحضر فيه ندوات سياسية يحضرها الآلاف حتى لو كانت في جوف النجوع والكفور المنسية، وكنت أصرخ داخلي: متى يكون جمهور الأدب، عشقي الأول، بهذا الحضور المهيب.

لكن ما إن وصلت إلى مقر الندوة حتى وجدت المنتظرين أكثر بكثير مما تصورت، والأهم هو أن من بينهم نقادا وكتابا ومثقفين رفيعي المستوى، وقراءً شغوفين بالأدب. وناقش المختبر روايتين أخريين لي هما "جبل الطير" و"بيت السناري"، وعقد ندوة أخرى عن مجموعاتي القصصية قدم فيها الناقدان الأستاذ أحمد رشاد حسنين والدكتور محمد السيد إسماعيل دراستين كاملتين.

وفي كل هذه المرات لم يأت النقاش شفهيا عابرا، إنما جاء المناقشون وفي أيديهم دراسات نقدية، تحدثوا من خلالها، ثم نشروها، مثلما فعلت الناقدة الواعدة دينا نبيل. بل إن هذه اللقاءات أثمرت عن تسجيل أطروحة للدكتوراه بجامعة الإسكندرية، هي الرابعة عشر في الرسائل التي تناقش منجزي الأدبي حتى الآن، ورسالة الإسكندرية تعدها الباحثة والكاتبة المتميزة سارة القويسي تحت إشراف الأستاذ الدكتور السعيد الورقي، الذي أسعدني كتابته لمقالين عن روايتيَّ "شجرة العابد" و"جبل الطير".

في هذه الأيام يقترب المختبر من بدء عامه العاشر، حيث عقد أولي فعالياته في 29 ديسمبر2009م. وقد تواصلت مع القائم عليه أو منسقه، وأول المتحمسين له، الروائي والقاص الأستاذ منير عتيبة، لأسأله عما أنجزه المختبر منذ انطلاقه، في ظل اختباري لفرضية تطاردني دوما حول قدرة المبادرات الثقافية، فردية أو جماعية، رسمية أو خاصة، على الاستمرار في بلادنا، فأرسل لي مسردا بحصاد هذه السنوات، يمكن إيجازه في النقاط التالية:

1 ـ ينظم المختبر ثلاث فعاليات رئيسية الأولى أسبوعية، وتعقد بمكتبة الإسكندرية، والثانية شهرية بيت السناري بالقاهرة، والثالثة شهرية مع الشباب تجري تحت عنوان "مختبر السرديات للفتية" ببيت السناري أيضا، وترمي إلى اكتشاف أصوات أدبية جديدة.
2 ـ ينظم المختبر حوالي 90 فعالية سنويا موزعة على ندوات لمناقشة أعمال إبداعية في السرد الروائي والقصصي والمسرحي والدرامي، وأخرى حول أعمال نقدية، وورش عمل ومسابقات في السرديات جميعا إلى جانب السيناريو والدراما الإذاعية واللغة العربية والإلقاء... إلخ. كما ينظم مؤتمرات منفردا أو بالتعاون مع جهات ثقافية أخري.
3 ـ يتعاون المختبر في بعض فعالياته مع جهات عديدة منها: المجلس الأعلى للثقافة بمصر- مختبر السرديات المغربي- مختبر السرديات العماني- مختبر السرديات الأردني- وحدة السرد بجامعة الملك سعود بالرياض- جامعة واسط بالعراق- جامعة الإسكندرية وغيرها.
4 ـ نظم المختبر عددا من المؤتمرات المهمة منها أول مؤتمر للقصة القصيرة جدا بمصر شارك فيه ممثلو 11 دولة عربية سنة 2013، ومؤتمر محمد حافظ رجب رائد التجديد في القصة العربية، ومؤتمر مصر المبدعة السنوي بالتعاون مع لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة والذي انعقدت منه أربع دورات حتى الآن، ومؤتمر الأدب المصري والمغربي، ومؤتمر الأدب المصري والسعودي، وغيرها.
5 ـ يستفيد المختبر من التطور التقني فيعقد بعض فعالياته بالفيديو كونفرانس مثل مؤتمر الأدب السكندري والعراقي مع كلية التربية جامعة واسط بالعراق.
6 ـ يهتم المختبر باستضافة كبار الكتاب الذين يكتبون بالعربية سواء كانوا يعيشون في الوطن العربي أو المهجر، كما يهتم باستضافة من تُرجمت لهم أعمال إلى العربية فاستضاف كتابا من الصين وسلوفينيا وتركيا.

لم ينسَ عتيبة في رسالته لي أن يشير إلى جهد رجلين، كي يستمر المختبر في أداء دوره: الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات، والكاتب الصحفي الأستاذ حسام عبدالقادر، وهي مسألة أعلمها جيدا، ولا أجد غضاضة في الإشادة بها، بينما لم ولن يتوقف انتقادي لكثير من الأنشطة والفعاليات المظهرية المنحازة للسلطة التي تقوم بها مكتبة الإسكندرية، وهي مسألة لم أكف عن طرحها منذ سنوات، وكنت أطالب دوما بأن تمد المكتبة تأثيرها في الحياة الثقافية إلى ما هو أبعد من اللقاءات النخبوية، ووجدت في بعض أنشطة "بيت السناري" و"مختبر السرديات" استجابة لهذا الاتجاه، ويا حبذا لو تعزز في المستقبل، حتى يظل هذا المسار محتفظا ببذور بقائه، محققًا قيمة صارت عزيزة المنال في مبادرتنا الثقافية، التي طالما سادت ثم بادت، توهجت ثم انطفأت، اللهم إلا من مبادرات قليلة، هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة ويرسخها، مثل "ورشة الزيتون" التي تستحق، من دون شك، إفراد مقال خاص بها عما قريب.

إعلان

إعلان

إعلان