لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

  فلْنحتفِ بالتنوع

أمينة خيري

فلْنحتفِ بالتنوع

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 31 ديسمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كم من شيح احتضن قسيسًا! وكم من قسّيس قبّل شيخًا! وكم من مشايخ وقساوسة تحدثوا، وأسهبوا، وأمعنوا في الحديث عن اللحمة الوطنية والمشاعر المصرية والفروق الممحية بين عنصري الأمة!

وكم من مؤتمرات وندوات وورش عمل وزيارات ميدانية شهدت دق كلامي على نسيج الوطن المتناغم وقطبي البلد المتوائم والهلال والصليب اللذين يتعانقان ويترابطان ويذوبان عشقًا في بعضهما.

وبعض مما يقال، ويثار، ويعاد، ويٌزاد في تلك الفعاليات المصورة بالكاميرات حقيقة فعلية، لكن البعض الآخر أيضًا ظل حبرًا رسميًا على ورق البروتوكولات الحكومية وما ينبغي أن يقال في العلن وما ينبغي أن يُحجب، ويظل أسيرا وما يقال في زوايا وما يطرح في مناهج، وما يندرج تحت بند "أنت تسأل ونحن نجيب"، بعيدًا عن الأعين ورغم أنف "الوحدة الوطنية".

الوحدة الوطنية الواقفة على الجهة المقابلة للفتنة الطائفية تعرضت لهزات عنيفة وتجريفات عميقة وتواكلات شديدة على مدى عقود. فبين إغماض طرف عما يدور في مدارس ودور عبادة وبرامج تليفزيونية، وعمل بمبدأ "فرق تسد" أو "حارب هؤلاء بأولئك" أو "اضرب السلفيين بالإخوان والإخوان بالسلفيين"، وانشغال بأمور أخرى غير الثقافات والأفكار والأيديولوجيات العابرة للحدود والنافذة للقلوب والمستعمرة للحضارات انزلق البعض في أحضان ما من شأنه أن يضرب الوحدة الوطنية في مقتل.

قتل التراحم بفتاوى أبعد ما تكون عن الدين، ووأد الإنسانية بأفكار لا تمت للبشرية بصلة، وإجهاض الأخوة بكلمات كالرصاص تستقر في أمعاء الانسجام والتناغم والتراحم والمودة والقبول جرى في مصر على مدى عقود.

وما نراه بين الحين والآخر من أحداث وحوادث تنم عن سم قاتل وبغض نافذ ورفض قاتم، تم زرعها وريها ورعايتها في أجيال متتالية- هي الثمار التي نجنيها حاليًا.

حال مصر التي كانت حتى أوائل سبعينيات القرن الماضي ملتقًى لشتى الجنسيات وبيتًا لمن جاءوا من الشرق والغرب وحضنًا للناس بغض النظر عن محتوى "خانة الديانة" ليس كحالها اليوم.

صحيح أنه بالبحث والتنقيب وإزالة طبقات الأتربة والصدأ وتلميح وتنقيح المعدن الأصلي ستعاود الروح المصرية الأصيلة السمحة الظهور.

وكما أن هذا الظهور لن يحدث بين يوم وليلة، فإنه أيضًا لن يتحقق بحملات ومداهمات فقط. لذلك فإن قرار تأسيس "اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية" في محله تمامًا. وستتعاظم الفائدة منه، وتتبلور النتائج المرجوة، وتتسارع الآثار الإيجابية بالتركيز على "المادة الثانية" المتضمنة في قرار رئيس الجمهورية رقم 602 لسنة 2018.

تتولى اللجنة "وضع الاستراتيجية العامة لمنع ومواجهة الأحداث الطائفية ومتابعة تنفيذها، وآليات التعامل مع الأحداث الطائفية حال وقوعها". وتعزف كلمة "منع" موسيقى عذبة وألحانًا سائغة. فالوقاية التي هي خير من العلاج تمنع، والعلاج قبل الاستفحال يقينا شرور الجراحات وآلام الالتئام.

والتئام الاحتقانات والالتهابات والتلوثات التي تعقب الأحداث والحوادث الطائفية عادة- يحدث دون تصفية الصديد وتطهير الجرح وإخضاعه لمضادات حيوية تضمن عدم عودة البثرات والقروح مجددًا.

تجدد أحداث وحوادث الفتن الطائفية يعني أن البذور موجودة، وريها مستمر، ورعايتها ممتدة، والعناية بها فائقة.

وأتمنى أن تستعين اللجنة بالإضافة لمكونها الأمني والمعلوماتي الرئيسي بأركان وكوادر وخبرات ثقافية وفكرية وتعليمية وعلمية وفنية ودرامية ومن العالمين والمدركين والملمّين بـ"السوشيال ميديا" ليكون عملها ناجزًا منجزًا متميزًا.

تميز مصر يبدأ بتنوعها وتناغمها. وهو ليس تميزًا جديدًا عليها، بل هو الأصل والأساس. وما نحن فيه اليوم من انغلاق وانسداد، ومعهما أمارات رفض للآخر وآثار توجس من كل اختلاف ليس إلا دخيلًا علينا لا أساس له في تاريخنا ولا أصل له في ثقافتنا وهويتنا وهوانا. وليكن هوى العام الجديد هوى احترام الاختلاف والاحتفاء بالتنوع.

إعلان

إعلان

إعلان