لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

سنصبح مسلمين

سنصبح مسلمين

أمينة خيري
09:01 م الإثنين 19 فبراير 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أتذكر جيداً المرة الأولى التي سمعت فيها صراخاً بصوت رجل أقرب ما يكون إلى العويل. لم أتبين الكلمات، لكن كلما كان ينتهي من وصلة صراخ مخيف، كانت أصوات ذكورية تردد بصوت جهوري "الله أكبر" و"لا إله إلا الله"!

كان هذا في منتصف ثمانينات القرن الماضي، وتحديداً في موقف أحمد حلمي في أول شبرا، باعة جوالون بالمئات يبيعون شرائط الكاسيت بالآلاف، بطلها هو من اكتسب لقب "فارس المنابر"، الشيخ كشك!

الشيخ كشك الذي "أطرب" الملايين من المصريين المقبلين حديثاً على عالم الظلام والتطرف، وكراهية الحياة، باعتبارها الطريق الممهدة المؤكدة نحو الجنة ونعيمها، تسلل ومعه آخرون إلى تفاصيل الحياة الصغيرة في مصر، وعلى مدى سنوات قليلة انقلب حال مصر والمصريين.

لم يكن الشيخ كشك وشرائطه وأحاديثه الساخرة اللاذعة الغارقة في التهديد والوعيد، وصراخه المستمر والمحبب عن عذاب القبر وأهواله إلا نقطة في بحر ما جرى لمصر والمصريين. وعلى قدر ما أتذكر، فقد تغير شكل البلد تماماً في خلال أعوام قليلة. وظهرت حدة التغيير وسرعته في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات حين غبت عن مصر نحو عامين لم تتخللهما إجازات. تغير شكل الناس، وتبدلت ملابسهم، لا سيما النساء، واختلفت مفرداتهم في الكلام، وطرأت تغيرات عدة على قيمهم وسلوكهم وأخلاقهم.

تذكرت ما جرى حين طالعت عنوان جاء على "بي بي سي" قبل ساعات. "إذا سجل (محمد) صلاح مجدداً سنصبح مسلمين"! يا الله! حتى لو كان الكلام فيه مبالغة من قائليه، أو رمز لأثر اللاعب الخلوق الموهوب في مشجعيه، فتبقى الرسالة واضحة وضوح الشمس. شمس الحقيقة التي تشير إلى أن أعداداً كبيرة من الشباب والشابات في مصر خالجتهم شكوك وراودتهم هواجس فيما يختص بالدين والتدين في أعقاب سنوات المكاشفة التي تلت ثورة يناير. هي سنوات كشف الستار وخلع النقاب عن حقيقة الكثير من جماعات التديين بدءاً بالإخوان المسلمين مروراً بما يسمون بـ"السلفيين"، وانتهاءً بجمعيات "تبرع يا أخي المؤمن لبناء مسجد"، و"أموال زكاتك لتزويج اليتامى"، وهي أيضاً سنوات المكاشفة فيما يختص بدور الدين والتديين في حياتنا. كثيرون يسألون أنفسهم: ما الذي أضافه هذا الشكل والموديل من التدين للحياة في مصر؟ وكيف أثر في الأخلاق والمعاملات والسلوكيات؟ وما الصورة التي نقلها المسلمون إلى الآخرين– في الداخل والخارج- عبر هذه النسخة من التدين؟

تقبع الإجابة واضحة وصريحة في صراخ خطب عذاب القبر، وعويل تغطية شياطين الأرض المسمين بالنساء، وتحريم كل ما من شأنه أن ينقي الروح ويرتقي بالبشر من موسيقى وفن وثقافة وغيرها.

وبعد سنوات "القاعدة" و"داعش" وأبناء عمومها من الجماعات المقاتلة والمتناحرة والمجاهدة، وفي ظل حروب تعصف بأرجاء العالم العربي باسم الدين والتدين، وفي ضوء العمليات "الجهادية" التي قام بها هذا في فرنسا، وذاك في بلجيكا، وغيرهما مرددين "الله أكبر"، تفتكروا ما هي الصورة التي تستدعيها أذهان الآخرين حين تُذكر كلمة "مسلمين"؟!

ثم يأتي لاعب كرة قدم ليحمل معه إلى بلاد بعيدة صورة مغايرة تماماً للمسلم، فتجد من لا يجد غضاضة في أن يقول إنه سيعتنق الإسلام في حال أحرز هدفاً آخر. الموضوع بالطبع رمزي بحت. لكن كم من رسالة من شأنها أن تقلق مضاجعنا علها تخرجنا من غيبوبتنا التي ضربتنا في مقتل.

شكل التدين الذي ينفر ويرهب ويهدد ويتوعد وينذر يصيب الدين وأهله في مقتل. والتدين القائم على تخويف العبد والقابض على روحه وعقله بمقصلة الترويع والتخويف يأتي بآثار عكسية لكل ذي عقل.

وبينما يردد مشجعو ليفربول: "لو كان (صلاح) جيداً بالنسبة لك، فهو جيد بالنسبة لي، ولو سجل أهدافاً أخرى فإنني سأصبح مسلماً أيضاً"، مازال بيننا من يطرب لسماع صراخ أحدهم منذراً بعذاب القبر، وعويل آخر مهدداً بسحق الآخر ابتغاء الجنة ونعيمها.

إعلان

إعلان

إعلان