إعلان

مفيش "عفرين تحترق"؟

مفيش "عفرين تحترق"؟

أمينة خيري
09:00 م الإثنين 19 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

دخلت القوات التركية عفرين. ورفع الجنود الأتراك الأعلام التركية على مبان في عفرين. ودخل الإعلام الغربي والعربي والشرقي والشمالي والجنوبي في صراع محموم لتغطية ما جرى في عفرين.

وبين "الجيش السوري الحر يدخل عفرين" و"القوات التركية ومقاتلو المعارضة السورية يسيطرون على عفرين"، و"تركيا في عفرين" و"تحرير عفرين"، و"عفرين في قبضة "الزيتون"، و"قوات تركيا تدخل عفرين" و"الجيش التركي ينتشر أمام المباني الحكومية في عفرين"، تدور عناوين الأخبار والصحف والمواقع بكل لغات العالم.

العالم الذي يفاخر بعضه بوسائل إعلام مهنية، ويعتز البعض الآخر بمراسلين منزّهين عن الهوى وصحفيين لا يخشون في الحقائق والوقائع لومة لائم، وينابز بعضه بعضًا في أي القنوات أكثر حيادًا وأي الصحف أعمق معلوماتية وأي المؤسسات أوضحها في الفصل التام بين الرأي والتوجه من جهة والمعلومة والحقيقة من جهة أخرى لم ير في الجيش التركي في عفرين ما يدعو إلى استخدام كلمة "احتلال" أو "غزو" أو تعدي" أو "عدوان".

وعدا مؤسسات إعلامية تُعد على أصابع اليد الواحدة (ومنها المصرية) تم استخدام كلمة "احتلال". ولمن لا يعرف فإن مدينة عفرين مدينة سورية تقع داخل حدود الدولة السورية. وبعيدًا عن موقف هؤلاء أو توجه أولئك من الرئيس السوري بشار الأسد، فإن الدولة السورية مازالت حتى اللحظة دولة لها حدود وسيادة.

سيادة الإعلاميين المحترمين الذين يعملون في مؤسسات إعلامية ضخمة لها باع طويل وتاريخ عميق في الحياد والموضوعية والمهنية كما تنبغي أن تكون ضنت أقلامهم بوصف "غزو" القوات التركية لمدينة عفرين السورية و"الاعتداء على سيادة دولة" بأنها "احتلال". ليس هذا فقط، بل إن خبر الاعتداء التركي على الأراضي السورية آخذٌ في التقهقر والتراجع إلى الصفحات الداخلية والموضوعات الفرعية والتنويهات الهامشية. وهو لا يشكل موضوعًا رئيسيًا في نشرات الأخبار الدولية وغيرها على المحطات الإقليمية التي صدّعت رؤوسنا بتحري الدقة واتباع المهنية بعيدًا عن الهوى والأيديولوجيا والآراء الإنسانية.

ويبدو أن البعض وجد في تغطيات "إنسانية" مصورة ما يريح البال ويخدر الضمير بعض الشيء، حيث لقطات مصورة من قلب عفرين لأطفال مصابين وأمهات ثكلى ومسنين مشردين، ولكن دون إشارة من قريب أو بعيد للطرف الباغي المعتدي. مرة أخرى، هذه الكلمات لا تعني أن الأطراف السورية الأخرى الضالعة في مأساة سوريا بريئة من المشهد الدموي الدائرة رحاه على مدار ثماني سنوات، لكن في دخول تركيا لعفرين دون أن تهتز شعرة للعالم بإعلامه المهني نموذج واضح لازدواج المعايير وتلون المهنية بألوان الانحياز الفج.

ويكمن جانب من الفجاجة في ازدواج المعايير. وللعلم فإن الازدواج ليس حكرًا على توجهات دول أو أهواء مؤسسات، لكنه بالطبع طبيعة بشرية. لم أر صور بروفايل تلونت بالسواد وكتب عليها أصحابها "كلنا عفرين" أو "عفرين في القلب" أو حتى في المخ. ولم يدع أصحاب الفكر الحقوقي والتنوير المجتمعي إلى التوقيع على عريضة رفض للاحتلال التركي يتم رفعها إلى الأمم المتحدة. حتى أصدقاؤنا من المنتمين للعوالم المثالية المحلقة في فضاءات احترام الإنسانية والحرية والاستقلالية وعدم الازدواجية لم يدشنوا هاشتاج #الحرية_لعفرين أو #عفرين_تحترق أو ما شابه.

ليس هذا فقط، بل إنه بالبحث عن عفرين على "تويتر" تظهر أغلب التغريدات مكتوبة إما بالتركية لمناصرين للاحتلال التركي، أو بالكردية لمتضررين ومعارضين أكراد. الغريب والمثير للغثيان أن التغريدات العربية أغلبها يدعم تركيا أو يقارن بين الجيش التركي الذي حقق أهدافه في عفرين "دون إراقة دماء" وبين جيوش التحالف العربي في اليمن التي "تريق الدماء"!!

وتظل هناك دماء محروقة لهول النفاق الأممي والسكوت الإقليمي والغيبوبة الحقوقية المحلية، وتوقعات بسقوط مأساة عفرين بالتقادم.

إعلان