لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

السيد "خميس".. المثقفون ليسوا خطرًا

السيد "خميس".. المثقفون ليسوا خطرًا

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 19 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رجل الأعمال السيد محمد فريد خميس أعلن بعد تبرعه لتنمية سيناء أن "المثقفين هم أخطر فئة على المجتمع"، وأتصور أن تبرعه هذا كان مقابل هذه الإهانة، فهي إهانة مدفوعة القيمة مقدمًا، وهو بهذا قد حصر الخطر الحقيقي ومشاكل مصر والمصريين في المثقفين ليس غير، فهم السبب في التضخم، وارتفاع الأسعار، والانفجار السكاني، وتفشى الجريمة وازدياد نسبتها بصورة ملحوظة، وذيوع ظاهرة التحرش وفساد الذوق والأدب العام، وتردى أوضاع التعليم، وانحدار الثقافة، والفساد الإداري، وتفشى الرشوة، وتحت الأخيرة مائة خط.

والحقيقة هذا إرث ورثناه من عهد مبارك، وكان ولادة طبيعية لزواج السلطة والمال، وظل الفساد في رعايتهما وكنفهما ثلاثين عاما، فتفشى وانتشر، وتمكن من الجميع صغارا وكبارا، حتى أصبح نهجا عاما مقبولا ومسموحا به. والسيد خميس يرى أن المثقفين هم الخطر الأعظم، ربما على اعتبار أن المثقفين هم المسؤولون عن إدارة الأعمال، وأوصياء على الدولة والأمن، ورعاة التربية وتثقيف وتعليم الشعب، من وجهة نظره. يا سيد خميس بك، مشكلة مصر ليست في مثقفيها، فهم ليسوا خطرًا على الدولة يومًا مضى أو يومًا قد يأتي، مشكلة مصر متنوعة ومتداخلة ومتشعبة، أهمها وأكثرها خطرا في تاريخنا الحديث والتي بدأت في عهد السادات، واستفحلت في عهد مبارك، هو مناخ الإفساد والفساد العام، وهو صناعة البعض من رجال الأعمال، الذين أفسدوا وانحرفوا بالمرحلتين، وتضخمت ثرواتهم على حساب الشعب وخطط التنمية، نتيجة استلابهم ثروات الأمة، وكانت المصيبة رقم واحد هي "الاحتكار" تحت دعاوى حماية المنتج المحلى من منافسة المنتج المستورد، فاحتكروا السوق لحسابهم، وغالوا في الأسعار، وحركوها كما شاءوا ومتى أرادوا، فكان لغياب المنافسة أثر سيئ على مبدأ التوازن الاجتماعي والطبقي، ولم تحقق حماية المنتج المحلي من المستورد الغرض والهدف منها وهى فائدة مزدوجة للمنتج والمستهلك، بل كانت الفائدة الوحيدة تضخم أموال رجال الأعمال، بل زادوا الأمر ضراوة وشراسة حين سحقوا المنافسين في السوق المحلي بأساليب غير أمينة وغير شريفة، وإلا بالله عليك لماذا ظل السوق في مصر رهين أسماء بعينها من رجال الأعمال دون زيادة، بل نقصان، مدة تزيد على أربعين عاماً؟ بل وفرضوا سطوتهم ونفوذهم على التشريع وسَن القوانين الرسمية في المجالس النيابية التي غزوها، يشرعون ويسنّون القوانين ويمررون الاتفاقيات لخدمة مصالحهم ومنافعهم، وحركوا كل أمور الدولة وقوانينها وقراراتها بما يخدمهم، دون اعتبار لمصالح الناس، بدليل فلاح ونجاح مصالحهم وخيبة وفشل مصالح الناس، وأغدقوا كرمهم من العطايا والمنح والهدايا والرشاوى على كل من كان بيده أمر البلاد والعباد، وتلتها بالمصيبة الثانية "التخصيص المباشر" لملايين الأفدنة من أراضي البناء، والأنشطة السياحية والزراعية وغيرها بقروش معدودة، بيعت بالملايين لصالحهم، وكانت سببا مباشرا في ثراء الكثير دون جهد أو تعب، بل كان هذا "التخصيص المباشر" مرهوناً بالولاء والفساد والدعم والهدايا.

وليس الإشارة هنا للبعض من رجال الأعمال يقلل من حجم الفساد، لأن الفساد مرهون بحجمه هو، وليس بحجم من تبناه أو دعمه، فليس معنى فساد بعض رجال الأعمال يعادل بعضاً من الفساد، بل يجوز أن يحول هذا البعض المجتمع كله إلى مجتمع فاسد، وهذا ما حدث حين فقد الناس بوصلة القدوة الصالحة، وضاعت منهم الوسيلة والهدف، وأصبح العمل والجهد والكفاءة لغة بالية في سوق العمل، استبدلوها بالفساد والنفاق والرشاوى.

وكانت المصيبة الثالثة "دعم الصادرات" وما لحقها من فساد وانحراف يجب مراجعته، فليست كل أموال التصدير عادت إلى مصر كما يجب، بل هرب منها الكثير إلى حسابات في بنوك خارجية لصالح الكثير من رجال الأعمال وهذا مخالف للقانون، وأؤكد أنه يجب مراجعة الأسعار التي دوّنت في الفواتير، ونسبة إعانة التصدير، ومراجعة تحصيل قيمة التصدير من واقع الفواتير الصحيحة، بل يجب مراجعة المستفيد من هذا الدعم حتى يشارك كل المنتجين فيه، ولا ينفرد به من فاز بتصديره دون غيره، أضف إلى ذلك بيع جزء من حصص الشركات الاستثمارية في مصر لمستثمرين عرب، وتحويل قيمة الصفقة خارج البلاد، وهذا مخالف أيضًا للقانون. هناك الكثير والكثير لا داعي لذكره، لكنى أضيف البعض منه على عجالة. الاستغلال الواضح للمناطق الحرة، والتلاعب في الضرائب، والأهم حقوق العاملين في التامين الاجتماعي، وحصص العاملين في الأرباح، كل هذا كوم، والاستغناء التعسفي عن العاملين دون حقوق كوم آخر، كل هذا الظلم والفساد كان بعلم الأجهزة المعنية والمسؤولة والجهات الرقابية التي تم اختراقها بواسطة المال الحرام. إن هذا العهد الذى طغى فيه سلطان المال يشرع ويبنى وينهب لصالحه، كان أسوأ العهود التي مرت على مصر والمصريين، فلا يفقد الإنسان ذاته وحبه لبلده وانتمائه لها من ضيق ذات اليد، بل يفقده من سعة يد الآخرين ظلمًا ونهبًا واستغلالاً، وكان هذا يا سيدى هو الخطر العظيم الذى تضاءلت وخجلت منه كل الأخطار الأخرى، بما فيها خطر المثقفين إن وجد وكان لهم خطراً.

دعني أطالب الحكومة بضرورة مراجعة ملفات رجال الأعمال كلهم في عهد مبارك، وستضعون أيديكم على الخطر الأكبر، وهو بعض رجال الأعمال وليس المثقفين الغلابة، الذين يحارَبون تارةً من رجال الدين، وأخرى من البعض من رجال الأعمال.

إعلان

إعلان

إعلان