لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من الريموت إلى السمارت فون.. ما يطلبه المتصفح الملول

من الريموت إلى السمارت فون.. ما يطلبه المتصفح الملول

د. هشام عطية عبد المقصود
09:01 م الجمعة 30 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وسائل الإعلام كالخبز لا يستغني الجمهور عنها أبداً، هكذا شاءت تطورات الحياة، وكالخبز أيضاً يحلو للجمهور أن يستهلكها طازجة، وهى تختلف عن الخبز في أنه وبينما يمكن جوعاً أو كسلاً أن تمتد يد لرغيف ليس طازجاً تماماً على رف بائع، أو ثلاجة، فإن الجمهور ليس في احتياج أبداً لأن يفعل ذلك مع المحتوى الإعلامي، فأفران خبزها متراصة وسريعة الإنتاج، وتقدمه طازجاً مباشراً إليه ومن خلال تلك الشاشة الصغيرة للهاتف الذكي الذي لا يفارق يده صحواً أو مناماً.

لكن لايزال البعض يدير أداء وسائل الإعلام من واقع خبرات قديمة، وأيضاً من زوايا معتقة لا تصلح لجمهور شاب يحمل سمات مختلفة لم يتم التعرف عليها بدقة وشمول، عصر صارت فيه الهواتف الذكية نوافذه ومصدر متابعاته بما تمنحه من تهيئة مختلفة، وتفرضه من سمات جديدة للمحتوى، ستدرك منها أن صناعة الأخبار كوظيفة إعلامية مركزية في العرف الإعلامي الكلاسيكي لم تعد ذات أولوية فضلاً عن أن تكون "اقتصادية"، سوى من زاوية كونها جزءاً من الدور ومفهوم الدبلوماسية العامة لمجتمعاتها ودولها، تحمل أفكارها وتحقق فهماً أو على الأقل تعريفاً بوجهة نظرها، تتساوى في ذلك قنوات وفضائيات مجتمعات غربية وعربية ولا تنتهي عند كل من روسيا والصين، ثم يظل البحث عن حدود تأثير كل ذلك صعباً وبعيداً أيضاً، من واقع مناوأة وتعدد دور السوشيال ميديا بنزعتها الفردية.

وقد صار باقياً من الدور الكبير للوظيفة الخبرية لوسائل الإعلام التقليدية في عرف الكتلة الأكبر من الجمهور الشاب المعاصر ما يدخل– طارئاً ارتباطاً بأحداث كبرى أو أزمات- ليفرض أولوية المتابعة والاهتمام، يطرح ذلك أسئلة بشأن ما إذا كان لايزال لدى الجمهور فضاءٌ واستعدادٌ لبرامج طويلة ممتدة تتجاوز الساعتين والثلاث ساعات، وضمن تركيبة كلاسيكية فيما صار يعرف عندنا بـ"التوك شو" بينما هو "توك" كامل وممتد و"شو" أقل؟

كثير مما يجري في صناعة الإعلام في المنطقة العربية تغذيه بيانات قديمة، ومعارف عن حجم ونوع وسمات المتابعة هي بالطبع قديمة، لا يجري لها تحديث أو حتى ضغطة زر "الريستارت"، ثم إن التليفزيون بحاله ووضعه قد أوشك أن يكون شاشة الكهول وكبار السن، حيث لا يتفاعل إبداعاً مع النمو والتحول المتنامي في ثقافة التعرض والتصفح لدى كتلة السكان الأكبر والنامية من المراهقين والشباب.

ولكي تعرف ظلاً من ذلك، فلتتابع من تعرفهم من الصغار والمراهقين والشباب، فلن تجد كثيرين منهم جالساً متلقياً للمحتوى– كعادات أجيال سبقت– بل مكتفياً بتحميل المحتوى الذي يرى وجاهةً ما لمشاهدته عبر الإنترنت، ثم متابعته وقتما يريد– ووفق ظروفه- هكذا اختفى مع الوقت نمط المشاهدة الذي تندرج فيه كتل كبيرة من هذا القطاع العمري، ليتم استبداله بسلوك يبدو فردياً دعمته البروفايلات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولتختفي المواقيت وجداول البرامج الكلاسيكية "الجاهزة" من عرف وثقافة متابعة هذه الأجيال، لتحل بديلاً عنها المشاهدة "الذكية" ذات الصلة المباشرة بالهواتف الذكية كوسيلة إعلام عصر جديد.

هذا ما حدث– مع فروق التجربة والثقافة- أيضاً في فترة تاريخية مضت، بدخول الريموت كنترول، وما صنعه من تحول كان أيضاً مدهشاً، ليؤسس ما صار يحظى به المشاهد من سيطرة نوعية على التنقل والتحول بين القنوات، وهو ما أثر على سرعة وجاذبية المحتوى الإعلامي.

لكن الجديد الذي لم يصنع تحولاته في طبيعة إنتاج محتوى الإعلام وسياسات إدارتها بعد، مصرياً وعربياً، هو ما تصنعه الهواتف الذكية ودخولها وهيمنتها كوسائل عرض وتصفح في مجال الإعلام، وصنع ما أسميه نمط التقاطات المتصفح الملول غير القابل للدهشة إلا قليلا، صاحب الهاتف الذكي المتعجل الذي يتحدث ويأكل ويتحرك وهو يتابع عبر شاشته.

هذا السياق الأخير يحتاج إلى تفهم لدمجه في الوظائف الإنتاجية للمحتوى الإعلامي، تجعله قادراً على البقاء في عالم تتشكل فيه ثقافات التلقي والتفاعل الإعلامي بوتيرة تسبق كلاسيكيات تاريخية مستقرة وأفكاراً ربما أتلفها الهوى.

إعلان

إعلان

إعلان