لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"كتالوج" ابني (٢).. الحب بين الغريزة والعقل

"كتالوج" ابني (٢).. الحب بين الغريزة والعقل

د. براءة جاسم
09:00 م الخميس 10 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنتُ قدْ ذكرتُ في المقالِ السابقِ بأن السنواتِ الخمسَ الأُوَل في عمرِ الأطفالِ هي الأهمُّ في تشكيلِ شخصياتِهِم ونفسياتِهم، وأستطيعُ أن أضيفَ أنَّ مدارسَ كثيرةً قد قدّمتْ دلائلَهَا على أنْ هذا التشكيلَ والتفاعلَ مع محيطِهِ الخارجيِّ يبدأُ حينَ يكونُ جنينًا في رحِمِ والدتِه، ولذلكَ أعيدُ التأكيدَ على أهميةِ أنْ تعتنيَ بنفسِك، ذلك أن الأمَّ والأبَ الأصحاءَ جسديًا ونفسيًا تكونُ فرصُهُم في تربيةِ وتنشِئةِ طفلٍ متوازنٍ نفسيًا أكبرَ بكثير من غيرهم. وقد تحدثتُ أيضًا عن أن الحبَّ والتعبيرَ عنهُ مصحوبًا بالرعايةِ والاهتمامِ واللعبِ والتواصلِ مع الأبناء في سنواتهم الأولى هو مِن أهمِّ الركائزِ لبناءِ شخصياتٍ سويةٍ ومتوازنة.

وأودُّ هنا أن أشيرَ إلى نقطةٍ مهمة، وهى أن المقصودَ بالحبِّ أن يكونَ التعبيرُ عنه بالقول، وأن يكونَ القولُ مدعومًا بالفعلِ أيضًا بأنْ تحتضنَهم كثيرًا، وأن تكونَ حاضرًا دومًا في حياتِهِم، وألا يلوّثَ هذا الفعلَ سلوكٌ سلبي كأن تعنّفهم لفظيًا و/أو جسديًا، أو غير ذلك مِن سلبياتِ الأفعال.

أضِف إلى ذلكَ أن التعبيرَ عن الحبّ بالفعلِ ليسَ مشروطًا بأن يشملَ الجانبَ الماديّ، كأن تشتريَ كلَّ ما يطلبُهُ أبناؤك، فهذا لا يعكسُ حبّك لهُم بقدرِ ما يعكسُ مفهومًا خاطئًا عن الحبِّ لديكَ، وهو ما سيُرسِّخُ لديهم نفسَ المفهومِ الخاطئ أيضًا، وستجد بعدَ ذلك أنهُم يُترجمونَ أي تقصيرٍ ماديٍّ أو تأخرٍ منكَ في تلبيةِ طلباتِهِم بأنَّ حبكَ لهُم لمْ يعُدْ كما كان، فيختلُّ توازنُهُم، وتبدأُ رحلةُ الإحساسِ بالذنبِ والشعورِ بالتقصيرِ تجاهَ الأبناء، وتلكَ مكيدةٌ يستغلُّها الأطفالُ للحصولِ على كلِّ ما يرغبونَ فيه دون النَّظر إلى أهميته، فيدخلُ الطرفانِ دائرةً مدمّرة، أطفالٌ يطالبونَ بطلباتٍ ماديةٍ، وأهلٌ يسعونَ إلى التنفيذِ الأعمى، فإن كان الأهلُ مقتدرين، وصلتْ رسالةٌ إلى الأبناءِ بأن الحياةَ سهلةٌ وكل ما سيطلبونَهُ مجاب، وإن كان الأهلُ غير قادرين، شعروا بالذنبِ والعجز، وقد يستدينونَ أو يقضونَ ساعاتٍ إضافيةً في العملِ من أجلِ تلبيةِ رغباتِ أبنائِهم مخافةَ الاتهامِ بالتقصير، وتكونُ النتيجةُ أن يتغيبَ الأهلُ عن البيتِ أكثرَ فأكثرَ وتزدادُ الدائرةُ اتساعًا يصعبُ الخروجُ من آثارِهِ المُهلِكة.

ولذا، يكمُنُ السرُّ والخلطةُ السحريةُ في تقديمِ كثيرٍ من الحبِّ غيرِ المشروطِ بالماديّات، وغيرِ المشوبِ بالعنفِ أو التعنيف، ودونَ الإخلالِ بتوفيرِ المادياتِ الكافية.

وربما يسألُ سائلٌ، هل يعني الحبّ ألا أوجّهَ ابني إذا أخطأ؟ والإجابةُ أنهُ على العكسِ تمامًا، الحبُّ هو أنْ توجّهَ ابنَك، وأن تتّخذَ من الأخطاءِ فرصةً لتعليمِهِ الصواب، وإليكَ بعضُ الأسسِ التي ينبغي لك أن تعرفَهَا ويرتكِزُ عليها توجيهُك.

• العنفُ -بكلّ أنواعِهِ- خطٌ أحمر، فإياكَ ثُمّ إياكَ أن تتخطّاه.

• ممنوعٌ منعًا باتًا أن يكونَ التهذيب متعلقًا بالأمورِ والاحتياجاتِ الأساسيةِ للطفل، كأن يُحرَمَ من الطعامِ أو الشرابِ أو أي شيء متعلقٍ بحقوقِهِ اليومية. وحذارِ أن تستخدمَها كأداةِ ضغطٍ على أبنائك.

• احذرْ أنْ تُشخصِنَ أخطاءَ أبنائك، فتتحولُ العلاقةُ بينكَ وبينهُم إلى صراعِ قُوى، فأنتَ بلا شكٍ الطرفُ الأقوى على الأقلِّ في بدايةِ حياتِهم، فلا داعي لمحاولةِ إثباتِ ذلكَ بتصرفاتٍ خاطئةٍ يحكُمُها التسلطُ أو العنادُ غيرُ المبرّر.

• يجبُ أن يتناسبَ التوجيهُ مع حجمِ الخطأ، فلا تبالغْ ولا تغالِ.

• لا ترغيبَ ولا تهديدَ، كأن تقول: "إن سمعتَ كلامي فسأمنحُكَ كذا" أو "ويلكَ إن فعلتَ كذا"، وهذا يشملُ أيضًا التهديدَ العاطفيَّ، كأنْ تقولَ مثلًا: "أنا لنْ أحبُّك" أو "لا أحبُّكَ لأنكَ فعلتَ كذا"، "سأتركُ المنزلَ إن فعلتَ كذا..." فحبُّكَ غيرُ مشروط.

• قُل ما يُعقلُ أو ما تستطيعُ تنفيذَه، ولا تقُل ما ليسَ منطقيًا أو ما هو أبديّ أو مطلق، كأنْ تقولَ مثلًا: "ممنوع من كذا للأبد...، لنْ تذهبَ مع أصحابِك أبدًا بسببِ فَعلَتك"، فإنهُ إن تعوّدَ طفلُكَ أنّك لا تفعلُ ما تقول، فلنْ يأخذَ كلامَكَ على مَحملِ الجَد وسيتمادى في خطئه.

يجبُ قبلَ أن تعدّل سلوكَ ابنِك أو توجهَه على خطأ ما أن:

1- تحددَ ما هو الممنوعُ كخطوطٍ عريضة، ثم تأتي التفاصيلُ مع الوقت.

2- تتأكدَ أنه مدركٌ للخطأ الذي ارتكَبَه، فإن لم يكُن مدركًا فيجبُ عليكَ ما يلي:

‌أ. أن تتخذَ مما حدثَ فرصةً لشرحِ ما فعلَهُ، وأن تكونَ حاسمًا دونَ عنفٍ ودونَ أن تصرخَ في وجهِهِ فتخيفُهُ أو أنْ تتكلمَ بصوتٍ منخفضٍ فيعتقدُ أنكَ لا تعني ما تقول، وإنما عليكَ دائمًا أن ترفعَ ابنَكَ/ابنتَكَ برفقٍ إلى مستوى نظرِكَ وأنتَ تحدثُهُم وتوجهُهُم، أو تنزلَ إلى مستوى نظرِهِم، لأن هذهِ المسألة في نظرِ الطفلِ عندما يتلقى توجيهًا من أحدٍ من ارتفاع، تشبِهُ وقوفَهُ أمامَ كائنٍ ضخمٍ يُشعِرُهُ بالضآلةِ والرّعب، لذا يجبُ عليكَ أن تتحدثَ إليهِ ببطءٍ ووضوحٍ وحسم، وبلغةٍ تُناسِبُ سنَّه حتى يفهمَهَا.

‌ب. ‌أن تذكُرَ الأسبابَ التي أوقعتهُ في الخطأ، ثم تطلبُ منه تكرار ما قلته ولو بكلمة أو اثنتين حسب قدراته اللغوية.

‌ج. ‌أن تستخدمَ لغةَ جسدِكَ وتعبيراتِ وجهِكَ مع الأطفالِ الأصغرَ سنًا، كأن تشير برأسك أو بالسبابة عند الرفض مثلا بما يعني "لا"

‌د. ‌أن تشرحَ وتحدّدَ تبعاتِ تكرارِ ما حدثَ، كأن تقول: "إذا فعلت كذا مرة أخرى سيحدث كذا"

‌هـ. ‌أن تجعلَه يشاركُ في علاجِ أو تصحيحِ الخطأ المتسبِّبِ فيه، فمثلًا لو أنه ارتكبَ خطأً يستدعي تنظيفَ شيءٍ لوّثَه، يمكنُ أن تجعلَه يشاركُ في تنظيفِهِ حتى لو لمْ يستطعْ القيامَ بذلكَ بشكلٍ دقيق، الأهمُّ في هذه المرحلةِ أن يشعرَ بمسؤوليةِ تصحيحِ الخطأ.

وقد تحتاجُ إلى تكرارِ الخطواتِ السابقةِ مرةً أو مرتينِ لتتأكدَ بأنَّ المعلومةَ قد وصلت إليه.

ألقاكُم في مقالٍ قادمٍ أتناولُ فيه طرقَ المدارسِ النفسيةِ المختلفةَ في مجالِ توجيهِ وتعديلِ السلوكِ.

إعلان

إعلان

إعلان