لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حوكمة دمج الأحزاب ... التعددية الحزبية الحقيقية

حوكمة دمج الأحزاب ... التعددية الحزبية الحقيقية

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:01 م الأحد 06 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التعددية الحزبية هي قلب أي تحول سياسي ديمقراطي. ولا تنشأ الأحزاب السياسية من فراغ، إذ أنها تعبير عن الثقافات والمطالب والمصالح على اختلاف المساحات الزمنية والجغرافية.

ومما لا شك فيه أن التعددية الحزبية ترتبط بالنظم السياسية الديمقراطية. فهي الركيزة الهامة التي تتمحور حولها عمليات الإصلاح السياسي في الدولة، وهي الآلية المحركة لعجلة الديمقراطية الليبرالية. ويرى "مونتسكيو" أن الأحزاب السياسية ضرورة للنهوض بالنظم السياسية، فالتنافس الحزبي يكسب الدولة حيوية سياسية، ويوجه سلوك الأفراد بشكل إيجابي نحو المشاركة الفعالة في العملية السياسية، ويمكن من التعبيرعن الآراء السياسية للأفراد في ظل أطر شرعية.

وتلعب الأحزاب السياسية دورا قياديا وهاما في كافة الأنشطة السياسية في الدولة. كما أن فعالية الأحزاب يثبتها التواجد في المجالس النيابية والمحلية، فالاحزاب القوية هي التي تستطيع أن تنافس في الانتخابات، كما أن الأخيرة مع ديناميات النظام السياسي تلعب دورا في فرز هذه الأحزاب.

ولكن، هناك جانبا آخر مهما لتتمكن الأحزاب من العمل السياسي الفعال. وهو ما يُطلق عليه " قدرة الأحزاب السياسية على تطبيق إجراءات حوكمة بداخلها. بمعنى وضع هيكل واضح يمكن أعضاءها من المشاركة السياسية، بالإضافة إلى لعب دور تثقيفي لبناء القيادات السياسية التي تتولى شئون الحزب وتترشح للمناصب السياسية المختلفة. كما تتضح قوة إجراءات الحوكمة بداخلها من خلال قدرة تلك الأحزاب على تحويل المصالح المجتمعية إلى سياسات تنفذها السلطات التنفيذية.

وتعاني الأحزاب السياسية في كافة دول العالم من تراجع فعالياتها وتأثيرها لعدة أسباب بعضها يتعلق بإخفاق السياسات العامة - حتى في الدول الغربية المتقدمة - عن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، فضلا عن عدم قدرتها في دول العالم النامي على تقديم برامج إصلاح سياسي واقتصادي وتحديث مجتمعي يحميها من أخطار عدم الاستقرار والانتفاضات والثورات والتفكك.

وهنا، لا يقتصر الأمر على نموذج الحزب الواحد فقط، وإنما قد يمتد لنماذج من التعددية الحزبية المستقرة أو الهشة.

ومن ثم، يوجد اعتباران أساسيان يفسران تراجع دور الأحزاب في الحياة السياسية، الأول: ضعف ثقة الجمهور في إمكاناتها وقدرتها على الاستجابة لاحتياجاتهم، والثاني هو خوف المواطنين من الانخراط في الحياة الحزبية- وبصفة خاصة في دول العالم الثالث- نتيجة للسوابق التاريخية والسياسية العالقة في أذهان الكثيرين من عدم استدامتها وإمكانية حلها في أي وقت وشخصنتها وتعثرها المالي والصراعات الداخلية بين أعضائها التي تستهلك وقتا طويلا من عمرها. وهذه العوامل الأخيرة تستمر في تغذية الخوف، وتنفر نفرا كبيرا من الانضمام للأحزاب السياسية.

وأضيف إلى كل ما سبق ملاحظة جديرة بالدراسة، وهي الخلط بين العمل الاجتماعي والعمل الحزبي وعدم الوعي الكافي بالحدود الفاصلة بينهما عمليا وتشريعيا.

...

لقد تعزز وجود أحزاب في مصر منذ ٢٠١١ خلال الانتخابات النيابية المتعاقبة، فكانت بمثابة اختبار لإمكانية وجود حياة التعددية الحزبية وقوتها على الأرض. ورغم ارتفاع تكلفة إشهار حزب سياسي، استيقظ المصريون على وجود زٌهاء مائة وأربعة أحزاب سياسية حتى تاريخه. بعضها لا يوجد منه سوى الاسم والبعض الآخر يعتمد على تاريخه النضالي واستمراره على الساحة السياسية منذ بدايات القرن العشرين، والبعض الآخر استمد شرعيته من ثورتين قامتا لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.

وبتطبيق معايير الحوكمة التي سبق الإشارة لها نجد أن معظمها إن لم يكن جميعها قد تقاعس في أن يكون منصة للتثقيف السياسي ومن ثم طرح وجوه وقيادات سياسية وضخ دماء جديدة في الحياة الحزبية الداخلية، وخاصة بالنسبة للأحزاب التاريخية القديمة. ومؤشر ذلك ضعف الارتباط الحزبي بين كثير من أعضاء الأحزاب المتواجدين في النقابات أو السلطة التشريعية من جهة، وغياب التواجد الحزبي بممثلين للأحزاب في السلطة التنفيذية ( وزراء ونوابا وزراء ومحافظين ونواب محافظين )- على الرغم من الانبهار بتجربة تشكيل للحكومات الحزبية في الغرب من جهة-، والخوف من أن احتمال أن تؤدي التغيرات الداخلية الحزبية إلى عدم استقرار السياسات المؤدية للإصلاح.

...

ويرتبط بحوكمة الأحزاب السياسية تساؤل حول الكيفية التي ترسم بها الأحزاب خريطة الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، وموجهات تلك الأولويات. وأقصد بها الموجهات الفكرية السياسية.

فهل يمكن ملاحظة فروق بين دعوة الأحزاب السياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأحزاب الليبرالية والأحزاب التقدمية الاشتراكية وبين الأحزاب القومية المحافظة؟

هل يختلفون حول المفهوم أم حول آليات تحقيق العدالة الاجتماعية أم حول الفئات الأولى بالرعاية؟

جميع هذه الاعتبارات غير واضحة لعامة الناس التي تسعى الأحزاب لاستقطابها.

وتلك هي الإشكالية - مضافا إليها الإشكاليات السابقة- التي تنقلنا إلى أزمات الاندماج بين الأحزاب.

من اللافت للانتباه أن دستور مصر ينص في المادة الخامسة على الآتي "يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية ...إلخ). فالتعددية الحزبية ظاهرة صحية وضمانة لتحقق التعددية السياسية. والتعددية السياسية معناها أن يكون لدينا أكثر من وجهة نظر وأكثر من حل واحد، والنظر للمشكلة من كافة جوانبها، الأمر الذي يعزز المشاركة السياسية وحرية الرأي.

فلماذا إذاً يميل المجتمع السياسي المصري إلى فكرة الحزب الواحد الكبير أو دمج الأحزاب مع بعضها البعض؟

وهل يوجد حاليا في مصر حزب سياسي يستطيع - بمفرده - أن يطرح برنامجا شاملا ومتكاملا ومعاصرا للإصلاح والتحديث؟

الإجابة: "أشك"! وهل سيكون الحزب الكبير المزمع تشكيله قادرا على تقديم تلك الرؤية في وقت معقول؟ وهل قام الداعون لفكرة " الحزب الكبير" بدراسة تجربة الحزب الوطني المنحل والأخطاء السياسية التي وقع فيها في السنوات الخمس الأخيرة من عمره حتى لا يتم تكرارها؟

وهل درس داعمو الفكرة تجارب سياسية أخرى في الحوكمة الجيدة للأحزاب على وزن ما اتخذه الحزب الشيوعي الصيني من إجراءات خلال المؤتمرين الأخيرين للجنة المركزية للحزب؟

إن القول بوجود حاجه لحزب سياسي جديد وكبير يؤشر لوجود حاجه لبرنامج سياسي جديد بمحددات غير تلك الموجودة حاليا، أي وجود اتجاهات وأفكار جديدة. ولنا أن نفكر في ماهية هذا البرنامج وقيمته المضافة لمعالجة المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة وانعزال النخبة. الفكرية المصرية. وأيضاً، فإن القول بوجود حزب سياسي كبير يدفعنا إلى البحث في علاقة الحزب الكبير الجديد بالأحزاب السياسية القائمة. فالمشهد الحالي ينبئ بإمكانية وجود صدام بينها، وهو ما يمكن قراءته من تصريحات الأحزاب القائمة حاليا من فكرة الاندماج. بل يدعو الكثير منها الأحزاب الأخرى للاندماج معها. إضافة لتركيز الخطاب على القيادات الحزبية والهيئات العليا والمكاتب السياسية للأحزاب القائمة، وخاصة الفاعلة منها دون مناقشة الفكرة مع القواعد الشعبية لها ليصيروا جزءا من عملية اتخاذ القرار وبما يرسخ العمل الديمقراطي داخل الأحزاب.

إن فكرة الاندماج أوقعت العديد من الأحزاب السياسية الحالية في فخ الانشغال بها، بدلا من البحث في سبل تقوية هياكلها وقواعدها الشعبية وسياساتها.

صحيح، مصر ليست ألمانيا، ولكن تجربة تشكيل الحكومة الألمانية بعد فوز المستشارة "أنجيلا ميركل" للمرة الرابعة تشير إلى أن حزبا بمفرده لم يتمكن من تشكيل حكومة، وأنه اضطر إلى توفيق بعض من سياساته مع سياسات بعض الأحزاب الأخرى حتى يفرغ من تشكيل حكومة توافقية وصعبة. وهو درس مستفاد لكافة الأحزاب الحالية والمستقبلية في ظل تعقد الحياة السياسية وتزايد وتنوع المطالب الاجتماعية والاقتصادية، واتساع شبكات التواصل الجماهيرية والإعلام المجتمعي الذي جعل من الجمهور حزبا واحدا وكبيرا يسعى لترجمة مصالحه بعيداعن فكرة الأحزاب السياسية.

فما الضمانات التي تؤكد أن اندماج عدد من الأحزاب في حزب كبير وواحد سيؤدي إلى فعاليته في التعبير عن مصالح المواطنين وتحقيقها؟

إعلان

إعلان

إعلان