- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
من شرفات متتالية تفصلها عوارض خشبية مستطيلة فوق كل مساحة سطح الطابق الأرضى للدار، يبدو الهواء هنا طازجا منعشا والشتاء جديدا، ليونة أعواد القصب التى تم اقتلاعها توا يمنح عصيرها الفم رائحة عطرية، ويسرى طعمها سائغا، يبدأ الصباح هكذا حلوا، العصافير تروح وتجيء فى وداعة تحط فى هدوء على واحد من الأسطح المتجاورة ثم تعلو برشاقة فى الفضاء، من شرفات المساحة الكبيرة تلك، يكون أول ما يراه مئذنة المسجد الكبير، تعلو كثيرا عن البيوت من حولها فتشكل شيئا متفردا ويمنحها الطلاء الجيرى بياضا لا يشوبه شيء.
الشرفات المتتالية تلك كانت اختراعا للجد، فكرة معمارية لا يدرى كيف استنبطها، عدم استخدام المكان فى شئ له فائدة مباشرة ما كحجرات أو مخازن أو غير ذلك من أعمال توظف هذه المساحات الكبيرة، فقط كل تلك الفضاءات عبر اتساعات غير مغلقة، تتخللها تلك العوارض الخشبية الملونة بالأخضر بينما أرضية كل منها يمنحها ما تبقى من طلاء الجير القديم المتآكل من تكرار الجلوس عليه والمختلط بلون الطوب النيئ شكلاً سيرياليا، كل شرفة تعلو قليلاً عن أرضية السطح لتشكل مصاطب تطل مباشرة ودون أسوار على الشارع، ثم تحيط بها كل تلك الأنحاء التى تمثل محيط المكان.
الجلوس على واحدة من هذه المصاطب الطينية متصفحا لكتاب أو مستمعا الى الراديو الترانزيستور الصغير المتاح يأخذك الى نوع الفضاء الذى تحبه، من هنا، من هذه الشرفة حيث تجلس مستندا إلى طرف العارض الخشبى سترى الحقول تمتد فى تواصل فسيح حتى أنه يمكنك فى الطرف أن تلمح ومن بعيد ما يشبه دودة تتحرك فى تمهل وهى تتنفس دخانا كثيفا على الحقول، إنه قطار التاسعة والنصف صباحا، يضبط عليه الناس مواعيدهم دون سؤال عن الوقت، وهكذا لم يقابل أحدا يسأله عن الوقت من ساعته الجديدة، ورويدا أهمل النظر اليها حتى نسيها تماما فى درج الدولاب الصغير، ومن تلك الشرفة الجانبية يرى الترعة التى تجاور الطريق المسفلت الجديد تتحرك عليه عربات قلائل وبعض الجرارات الزراعية، ودائما إطلالة مئذنة المسجد بيضاء مريحة تستقبلك كل صباح قبل أن تستشرف الفضاءات الأخرى.
يتخذ من مصاطب الشرفة مقعدا وأحيانا كنبة فيمدد رجليه حتى تلمس الطرف الآخر ويمضى وقتا وهو ينظر فى تلك الأنحاء وقد يتدفأ بكوب شاى تنبعث أبخرته فى الهواء ثم تترك أثرا من نداوة على استدارته الزجاجية، يتنقل بين الشرفات متحاشيا أشعة شمس تقوى مع الوقت.
الحياة هنا تسير على مهل، لا شئ عجولا فى هذا القسم من العالم، هكذا يشعر دوما، يمتص الناس الأوقات ثم يمضغونها ببطء وكأنهم يثبتون الزمن وفق ما يحبون، فيشكلون معا تلك الساعة البشرية الكبيرة التى لا يعوزها ضبط، لاشئ يتطلب صوتا خشنا أو صياحا أو هذا ما تبقى فى ذاكرته عن المكان، ها هو الجد طويل القامة يبدأ النهار مبتسما مناديا اسم الطفل وهو - قاصدا - يضم الحرف الأول من الاسم، كان الرجل يحفظ قدرا من فصيح الشعر القديم، ويضم الحرف كل صباح تفخيما للحفيد الأكبر للابن الوحيد، يجلسه بالقرب منه، ويشرب ضاحكا بدلا منه كوب الشاى باللبن الذى تصر الأم على أن يشربه الطفل كل صباح، كانت برامج الإذاعات فى ذلك الوقت تعلن بلا ملل أن كوب الحليب اليومى للطفل هو بمثابة معجزة تساعد فى نمو النحفاء وكم كان نحيفا، ولما كان عنيدا أيضا، فقد تم التوصل الى صيغة وافق عليها الطرفان، بديلا عن كوب اللبن فليكن كوب شاى باللبن، الجد لا يثنى الأم عما تظنه لازما لطفل، لكنه يجد الحل دائما، حين تضيق نفس الطفل بذلك الكوب يتناوله الجد ثم سريعا يمنحه للطفل فارغا إلا قليلا وهو يضحك "ولا تزعل".
حقا لا شئ يزعج هنا تقريبا، فقط انتظار طاقة الفرح الكبرى فى ذلك المشوار الأسبوعى نحو سوق القرية البعيدة، يتزاحم أولاد العمات وأخوته على حجز مكان فى الرحلة، ويفوز هو دوما بمشوار السعادة العظيم، حيث يكون منتبها مستيقظا وقبل الجميع، حتى إذا غادر المساء سوادا حالكا وبدت خطوط بيضاء تلوح وتنمو، يعرف صوت أقدامها وكأنها تستدعيه، تلك السيدة، زوجة الجد دائما تناديه: ابنى، وهو دوما يناديها باسمها بلا لقب، وفى المساء، كل مساء تضع رأسه على حجرها فينام، اليوم ينهض ويمضى اليها، فتنادى على امرأة أخرى وتبدأ رحلة السوق، ركوبتان تسيران متتاليتين متتابعتين، تمضيان ببطء كأنهما يتذوقان متلذذين بزوغ النهار على مهل، يأخذان الطريق الضيق المترب الذى يمضى ملتفا نحو السوق، تحكى له عن أنواع الشجر وتعرفه بأسماء الناس، لا تنزعج لطلبات متكررة بالرغبة فى شرب الماء، كان كلما أعجبته أشكال طلمبات المياة متناثرة أمام المنازل والحقول يطلب أن يشرب، وهناك حيث الدار التى تظهر من أعلى سورها شجرات المانجو محملة بالثمار تراه الجدة ينظر فى تمهل، تقف وتسرع لتطرق بوابة الدار، تنادى فتخرج سيدة ترتدى ذلك الجلباب الأسود من القطيفة يشبه ماترتديه جدته، يقف مترقبا الحوار من بعيد وعيونه تشتهى ثمرات ثقلت على الأفرع حتى تدلت بلون أخضر جميل، تنادى المرأة متجهة بصوتها نحو مدخل البيت فيخرج أحد أبنائها، يقطف الابن ثلاث ثمرات كبيرة ويأتى بها إلى "الخالة" كما يناديها، ينظر لأمه ثم لا يقبل نقودا.
كان يمضى منصتا لأصوات الطيور تحط وتطير من على الأشجار بينما يفك بأسنانه جلد الثمرة الخشن السميك وعيونه تحتضن الطريق الذى يمتد مسترخيا جميلا.
إعلان