لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وهل يلد الرحيل إلا النحيب؟

وهل يلد الرحيل إلا النحيب؟

د. براءة جاسم
09:01 م الأحد 29 يوليو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بين تساؤلات يمطرني بها بعضهم ونبرات عتاب قاسية من بعضهم الآخر، وحديث عما كان يمكن أن أفعله ولم أفعل، وآخر يبدأ بِـ"ثبُتَ علميًا أن..." وعبارات موجزة تواسي وتربت بشـفقـة، وكلمات أخرى منتقاة تنبض بالرقي "أمر الله..." "سيعوضك الله...".

بين هذا وذاك أصابني الإعيـاء، عبء تساؤلاتهم أثقل كاهلي، فلقد كررتُ نفس الردود مئات.. بل آلاف المرَّات، حتى تدفق الألم في عروقي، وتلعثم الكلام في فمي، مللتُ كلماتٍ عقيمة أسمعها، ونبرات عتاب تنثر الملح فوق الجرح، وسئمت من اصطناع ابتسامة تلو الأخرى.

كابرتُ كثيرًا.. كابرت كذبًا، وبداخلي تغص دمعة لمعَت وبرقَت لكنها تحجّرَت، وأبت أن تسقط أمامهم، نفذَت ذخيرة المجاملات لدي وأصبح الاحتمال أكبر من قدراتي؛ أحتاج أن أكون وحيدة، أحتاج لأن أرتِّب بعثرة كياني.

انزويتُ بعيدًا عن الجميع، جلستُ على طرف السرير في زاوية غرفتي يتملّكني الصمت، متعبة من الألم والآه، ومنهكة من جراح فقداني لك، نظرتُ عبر النافذة.. تذكرّتُ كم فرحنا حين علمنا أنك ستكون ثالثنا، هبة ربّانية انتظرناها كثيرًا، منحة من الله وأجمل عطاياه. أسميناك.. تجادلنا "سيشبهني أنا" "بل أنا" "سيحمل تفاصيلي أنا" "بل تفاصيلي أنا" رسمنا حُلمًا.. هُنا ستكون غرفتك.. سنجلس هُنا لنسرد عليك قصصًا حفظناها لأجلك.. هذا سريرك.. هُنا ملابسك.. هذه ألعابك.. هُنا ستملأ المكان ضحكات.. هُنا ستتدلل علينا بطلباتك، وهُنا.. آمال منتظرة..

فجأة.. مشيئة الله نفذت وفرضَ القدر علينا فروضه.. فسكت القمر وعمَّ الظلام، صمت كل شيء ولم يبقَ إلا صوت نحيبٍ يعلن رحيلاً، وهل يلد الرحيل إلا النحيب؟!

انتابني شعور بالعجز، تساقطت الدموع سهوًا برغبة ورهبـة، نظرت إلى أعلى في استحياء علّني أعثر على رمز يفك شفرات حرماني منك.. أهو عقاب على إثم ارتكبته لا يغتفر؟ هل تعيده إليَّ إذا اغتسلت من خطاياي؟ سؤال يليه سؤال يليه سؤال يليه سؤال، فصراخ.. نهرتُ نفسي: أيا نفسي تأدّبي، طأطأت رأسي وخفضت بصري.. ربي خانتني كلماتي، وألفاظي فاعفُ عن لسانٍ عصاك، وارحم ضعف قلبٍ رجاك، فما أنا إلا بشر ذو علمٍ ناقص وبصر محدود، فَارزقني الصبر والثبات عند ملاقاة البلاء.

صراعٌ بين السخط والصبر انتصر فيه الرضا بقضاء الله وقدره، فَإرادة المولى لا تعلوها إرادة.

إعلان

إعلان

إعلان