لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

للمقبلين على الزواج.. الماضي (الصندوق الأسود)

للمقبلين على الزواج.. الماضي (الصندوق الأسود)

د. براءة جاسم
09:01 م السبت 25 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مَن مِنَّا بلا ماضٍ؟ هل كنتَ ستصارحُ شريكَكَ بماضيك لو أنَّكَ أيقنتَ أنَّهُ لنْ يعرفَ عنه شيئًا؟

"تبدأ كلُّ العلاقاتِ الجادَّةِ برغبةِ الطرفينِ في أن يستهلَّ حياتَهُ مع شريكِه بمعزلٍ عن الماضي"، هكذا تؤكدُ بعضُ مدارسِ العلومِ الإنسانيّة، هل يعني ذلكَ أنَّه يجبُ عليكَ ألّا تصارِحَ شريكَ حياتِكَ بماضيك؟ هذا واحدٌ من الأسئلةِ التي اختلفَ المعالجون النفسيّون ومدربو العلاقات
(Relationship coaches) في الإجابة عنها، وبينما يقول بعضُهُم إنَّ فكرةَ أن تخبِرَ شريكَكَ بكلِّ شيءٍ عن نفسِك هي مجردُ وهم، وأنَّهُ لا أحدَ قادرٌ على فعلِ ذلكَ، وأنَّ الضرَرَ الناتجَ عن ذلكَ أكبرُ من أي نفع، ينصحُ آخرونَ بالتحدُّثِ فقط عن العناوينِ الرئيسيّة للماضي دون الدخولِ في تفاصيل، وهُناكَ مدارسُ أخرى تؤمنُ بما يسمَّى بـ"انعدام الأسرار"، أي لا أسرارَ على الإطلاقِ وأنَّه يجبُ على ماضيكَ أن يكونَ كالكتابِ المفتوحِ أمام شريكِك.

أنا من الأشخاصِ الذين لا يميلونَ لتبنّي فكرةٍ واحدةٍ في موضوعاتٍ كهذه، فلقدْ أيقَنتُ من خلالِ خِبرَتي العمليّة أنَّ كلَّ علاقةٍ تختلفُ عن الأخرى، باختلاف أطرافها ومدى نضجِهم وتقبُّلهم لأسرار الماضي، وكذلك باختلاف طبيعةِ العلاقةِ بين الطرفين.

وتكمُنُ أهميةُ الماضي في أنَّه هو الذي شكَّل صورتَنا حتى وصلنا إلى ما نحنُ عليه الآن، فكلُّ ما مرَرْنا به جزءٌ لا يتجزأُ مِن عمليةِ النموِّ والنضج حسب درجته، ولكن علينا إدراكُ حقيقةٍ أنه لا يجبُ على الماضي أنْ يحكمَنا أو يتحكَّمَ في حاضِرِنا، وإنَّما هو فقط يشكِّلنا، وأنَّنا نستطيع دائمًا أن نغيِّرَ من أنفسِنا إلى الأفضل.

وينصحُ الخبراءُ بأنْ نُنصِتَ جيدًا إلى مَن يتحدثُ عن ماضيه، ذلكَ أنه يعكسُ أخلاقياتِ الشخصِ الذي سنُعاشرُه، فكلَّما قلَّت معرفتُكَ عن ماضي شريكِ حياتك، قلَّتْ قدرتُكَ على تقييمِ مستقبلِ العلاقة، لذلك تُنصَحُ المرأةُ بأن تُنصِتَ جيدًا إلى الرجلِ حينما يتحدثُ عن حبيبتِهِ القديمةِ، ليس من زاويةِ الغيرةِ الأنثوية غير المنطقيّة، وإنما تركّزُ اهتمامها على نظرتِهِ إلى طبيعةِ العلاقةِ بينهُما، هل كانت علاقةُ شراكةٍ حياتيّة، أم أنها مِلكِيّةٌ خاصةٌ بِه شأنُها شأن أي شيءٍ يَملِكه؟!
هل ذَمَّ في شكلِها أو في أخلاقِها أو في أشياءٍ خارجةٍ عن إرادتِها؟ هل يُلقي عليها وحدها أسبابَ فشلِ العلاقةِ بينهما في حين يبرّرُ أخطاءه هو؟ وبذلكَ يُمكِنُها أن تقرأ من حديثه معاملتَهُ لها، فما سيقولُه عمّن سبقَها لن يختلفَ عما يعتقدُهُ عنها الآن أو فيما بعد، وهذه نصيحةٌ تُوَجّهُ إلى الرجلِ أيضًا على حدٍ سواء حينما يستمعُ إلى شريكته تتحدثُ عن حبيبِها أو شريكِها في الماضي.

كذلكَ لا ينبغي لأحدنا أن يلومَ شريكهُ على عدم المُصارحةِ بأسرار الماضِي، فقدْ يكونُ خائفًا من أن يخسَرَك، أمَّا إن اختار هو أن يصارحَك بماضيه فهذا يعكسُ قوةً داخليّةً في المقام الأول، فضلًا عن أنه يعني الثقةَ التامة بِك، فإياكَ أن تستغلَّ ما يبوحُ به ضدَّه في يومٍ ما أو أنْ تعايرَهُ به، وهناك مقولةٌ عبقريةٌ للدكتورة النفسيّة والكاتبة سيلفيا تينينبام تقول: "ما أقولُه عن أحبائي غيرُ مسموحٍ لكَ بأن تقولَهُ عنهم".

وأخيرًا، لا تسمحْ للخوفِ أو الغيرةِ أن يحركا أو يتحكَّما في القادمِ من عمرِك حين يصارحُك شريكُك بماضيه، ولا تجعلْهُ يدفعُ ثمنَ حديثِه، فلا قدرةَ لبشرٍ على الرجوعِ بالزمنِ لحذفِ أو شطبِ ما مضى، وعلينا جميعًا أن ندركَ أننا بشرٌ نُصيبُ ونُخطئ.

إعلان

إعلان

إعلان