لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كرة القدم كراية وطنية .. الجوانب الثقافية والسياسية للساحرة المستديرة (2 ـ 6)

عمار علي حسن

كرة القدم كراية وطنية .. الجوانب الثقافية والسياسية للساحرة المستديرة (2 ـ 6)

د. عمار علي حسن
10:04 م الأربعاء 29 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تعبر كرة القدم في جانب أعم وأشمل عن صيغة للتفاعل الاجتماعي الخلاق، الذي يقوم على قدر من العدالة النسبية لا تطاوله الظروف العادية للبشر، لا سيما في أي بلد تغيب فيه العدالة عن كل شيء تقريبا، ولهذا يمكن استعارة منطقها لإفهام الجماهير بعض الاختلال الذي تعاني منه الحياة السياسية.

فمهما اختلفت الإمكانيات بين الفرق فكل منها تمثل بعدد محدد من اللاعبين، يخضعون لتحكيم محايد، ويمكن للصغير منهم أن يهزم الكبير، والضعيف أن ينال من القوي، ومن في ذيل القائمة يُسقط من يعتلي صدارتها، وهذه الخاصية في حد ذاتها تلهب خيال المعارضين الضعفاء في النظم السياسية التسلطية والشمولية، وهم يرددون خلف أسطورة الكرة الهولندية يوهان كرويف في معرض تعليقه على إمكانية أن يهزم الفقير الغني، والضعيف القوي في كرة القدم: "إنه أمر ممكن جدًا، أنا لم أر خزانة ممتلئة بالنقود تحرز هدفًا في أي مباراة من قبل".

ففي كرة القدم فقط يمكن لفريق محدود الإمكانيات أن ينتصر على فريق يمتلك قدرات هائلة، لكن في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية التي تجري في ظل النظم غير الديمقراطية لا يمكن لأحد أن ينافس الحزب الحاكم مثلا أو الرئيس المعاد انتخابه. فالانتصار في الشكل الأول يصبح ممكنا، ويصبح في الشكل الثاني مستحيلا، إلا لو استعرنا وطبقنا الآليات المستخدمة في الأولى على الثانية.

في مباريات الكرة أنت أمام فريقين متساويين في العدد، وزمن نزالهما محدد لا يتم تجاوزه إلا بمقدار ما يضيع من وقت، وبينهما حكم يتحرى العدل والإنصاف على قدر ما تسعفه قدراته البشرية، وفوقهما لوائح منضبطة، وتقع المنافسة على الهواء أمام جمهور يتابعهما مباشرة من المدرجات أو أمام الشاشات، وهو أيضا حكم على اللعب.

وفي الثانية، يجري كل شيء أحيانا في الظلام وبلا أي ضمانات للعدل، ولا تكافؤ فرص بين المتنافسين في أي شيء، لا في ركائز القوة المادية، ولا في القدرة على الوصول إلى الجمهور، ولا حتى في الطرف الذي يحكم بينهم، والذي يتباهى أحيانا بانحيازه المسبق لطرف على حساب البقية.

في مرات قليلة تمت رشوة حكام كرة قدم، أو تواطأ فريق مع آخر لإيذاء منافس ثالث، لكن هذا لم يبق مستورا، بل كشفه الناس من أول لحظة، واستهجنوه وحوسب من اقترفوه. وفي كل المرات بالدول التي تعاني من الاستبداد تتم رشوة حكام السياسة، وينجزون سرقتهم في ليل بهيم، وبينما يخرج اللاعبون المتواطئون والحكم المنحاز من الملعب ورؤوسهم على صدورهم من الخزي، نجد لاعبي السياسة يتبجحون ويشمخون بأنوفهم، ويخرجون ألسنتهم من وراء ظهور الناس، وهم يرددون عبارات فخيمة عن العدل والنزاهة والاستقامة والجدارة.

هذه المضاهاة بين السياسة والكرة تعدت فكرة المقارنة بين الطريقة التي يلعب بها الفريق والقوانين التي تحكمه وبين النظام السياسي غير الديمقراطي، ووصلت إلى مقارنة بين الكرة وبين التنظيم الدولي برمته، فعشية افتتاح مونديال 2006 قام السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي أنان بعقد مقارنة بينه وبين المنظمة الدولية، لتنتهي في صالح هذا المهرجان الكروي الكبير حيث تضمن قوانينه مساواة بين الدول ويجري بينها تنافس عادل تحكمه الموهبة والعمل الجماعي، وهما قيمتان إيجابيتان على العكس من قيم كثيرة سلبية تحكم عمل الأمم المتحدة، بما جعل عنان يبدي غيرة من المونديال، ويتمنى لو تحذو العلاقات الدولية حذوه.

ووصل الأمر بالبعض إلى أن يقول إن جوهر كرة القدم يتشابه بل يتطابق مع جوهر السياسة، لأن كليهما قائم على المنافسة والصراع، وأن بطولة الكأس تشبه الصراع الصفري في السياسة، التي يعني أن يأخذ طرف كل شيء ويحرم خصمه من أي شيء، أما بطولة الدوري فتتطابق مع التنافس المتعادل أو متعدد الأقطاب. وأن إدارة المباراة تشبه إدارة العلاقات الدولية، أو حتى إدارة الحروب، التي تعتمد على دراسة نقاط قوة وضعف الخصم قبل المعركة، ثم العمل على شل حركته، لهزيمته في النهاية.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

إعلان

إعلان

إعلان