لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حروب حسن عبدالموجود الفاتنة

حروب حسن عبدالموجود الفاتنة

محمود الورداني
09:00 م الخميس 30 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا تعاني القصة القصيرة كشكل أدبي من انفضاض القراء فقط، بل تعاني أيضا ومنذ سنوات من انفضاض كتابها الموهوبين، الذين يدركون دقائقها ويتعاملون معها بالحساسية التي تليق بها. ربما بدأ هذا الانفضاض في أعقاب انتشار مقولة نقدية أطلقها الناقد جابر عصفور، عندما كتب أننا في عصر الرواية تعليقا على رواج وانتشار الرواية المفاجئ، وتصدر عدد من أبرز الكتاب وأكثرهم موهبة على المستوى العربي لكتابة الرواية.

من جانب آخر، ليست مقولة عصفور وحدها هي السبب بالتأكيد لأنه لم يخترع الظاهرة، ظاهرة انتشار ورواج الرواية، بل رصد ظاهرة موجودة بالفعل. كما أن انتشار الرواية لا يعني مطلقا أن وجهها الآخر هو اختفاء القصة القصيرة.

على أي حال هناك شيء ما غير مفهوم في هذه الظاهرة، والناشرون بعد انفضاض القراء باتوا يحجمون عن نشر المجموعات القصصية، وحتى مجايلي حسن عبد الموجود ومن سبقوهم، ربما منذ تسعينيات القرن الماضي انصرفوا لكتابة الرواية، بينما تمسك هو ونفر قليل جدا بالقصة القصيرة وانحازوا لها.

صحيح أن حسن أصدر من قبل روايتين، لكنه أصدر أخيرا مجموعة قصصية تختطف القارئ وتحلّق به بعيدا، هي "حروب فاتنة" عن دار الكتب خان، وهى دار جادة ومحترمة تدقق كثيرا في اختيارها للكتب التي تصدرها، وكان حسن قد أصدر منها قبل عامين مجموعة قصصية لافتة ونالت حفاوة نقدية هي "السهو والخطأ".

تضم المجموعة عشر قصص تكاد تتساوى في عدد كلماتها، لكنها جميعا قصص طويلة نسبيا، وأعتقد أن الكاتب لم يختر حجمها، بل طبيعة التجربة هي التي فرضت عليه هذا. أبادر إلى القول في البداية أنني استمتعت للغاية بهذه المجموعة الفاتنة حقا، فقد عكف الكاتب على تجربته واستغرق في عوالمها المتلاطمة، ولم يتأثر إلا بنفسه، وربما كان التأثير الوحيد الذي يلحظه القارئ هو مجموعته القصصية السابقة السهو والخطأ.

أليس من المثير للدهشة أن كل قصة تختلف بشدة عن القصص الأخرى في المجموعة، بمعنى أن كل قصة تقدم عالما مختلفا، ثم تقدم المجموعة بكاملها وحدة فريدة في الإحساس واللغة والشجاعة في اقتحام هذه العوالم المتناقضة، وسأحاول تفصيل هذا في السطور التالية:

يجمع مثلا بين قصص "دراجة تعيد رفيق الحزب القديم، و"الغرف المنسية"، و"ضحكات التماسيح" ما يشبه خيبات عجوز واحد يتجسد أمامنا ثلاث مرات، الأولى عندما تصبح قضية حياته أن يعيد دراجة كان الحزب قد سلّمها له ليمارس بها عمله في صفوف ذلك الحزب الذي كان قد لفظ أنفاسه منذ عدة سنوات وربما عقود. وفي الثانية هناك عجوز آخر يقبع في مكتب داخل مصلحة حكومية لا مهمة لها ولا لزميله الوحيد، والمصلحة بكاملها غطاها تراب النسيان منذ أيام الوحدة المصرية السورية. والثالثة هي حكاية العجوز الذي يقوم بغارات خاطفة على مقر الجريدة التي كان يترأسها، ويحاول تغيير موادها بنفسه احتجاجا على ما آل إليه حال الجريدة التي تحولت إلى ما يشبه الجريدة الصفراء.

بقية قصصه المجموعة فاتنة حقا، لكن كلا منها ينتمي لعالم مختلف. ف"حروب فاتنة" تدور رحاها بين عقيد وجندي ويجري سحل الأخير وتعذيبه على يد الأول دون مبرر واضح، و"معزة جوركي" ليست قصة المعزة التي تأكل الكتب أبدا، إنما قصة جنون الهواتف المحمولة والعين الشريرة المختفية، و"العرض الأخير" وقد تكون الأكثر جنونا في المجموعة.. قصة السجناء الذين يقدم الراوي لهم عبر النافذة مع صديقته عرضا جنسيا. هناك أيضا قصتان تدور أحداث كل منهما خارج الحدود. "إشارات حمراء" تدور في عُمان و"ليلة العقرب" في اليمن.

وأخيرا فإن كل قصص المجموعة هي قصص مجنونة في حقيقة الأمر، إلا أن الكاتب يتعامل معها برزانة ورصانة، ويجد القارئ نفسه يحلّق معها. وإذا كانت كل قصة تختلف بشدة عن الأخرى، فإن هناك ما يجمع بينها: الخيبات القديمة والعنف المجاني المكتوم والعبثي والعدوان واللغة العارية من أي مجاز. أظن أن هذه المجموعة تضيف الكثير لكاتبها..

إعلان

إعلان

إعلان