لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الحبُّ الأولُ ما بين الحقيقةِ والوهم

الحبُّ الأولُ ما بين الحقيقةِ والوهم

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 01 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"نَقِّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ مِن الهَوَى، ما الحبُّ إلَّا للحبيبِ الأوَّلِ".
مَن منَّا لمْ يسمعْ أو يردِّدْ هذا البيت؟ كَمْ من أغنيةٍ تَغَنَّى بها أصحابُها عن الحبيب الأول، وكَم مِن علاقاتٍ هُدمَت أو لمْ تنعم بالسعادة بسببِ حنينِ أحدِ طرفَيْها أو كليهما إلى حبِّه الأول!

فهلْ الحبّ الأول حقيقةٌ أم وهمٌ؟

هناك ما يُسمّى بالـ (Primacy effect)، وفي حالةِ الحبّ الأول تتلخصُ في أنَّها تجربةٌ جديدةٌ تُولدُ معها مشاعرُ نعيشُها لأولِ مرَّةٍ، مشاعرُ بريئةٌ بكرٌ غيرُ مألوفةٍ تنقُلُ أصحابَها إلى عالمٍ خياليٍّ بعيدٍ عن أرضِ الواقع، تكونُ الأحاسيسُ مركَّزَةً جدًا وحيَّةً، أضِف إلى ذلكَ أنَّ الحبَّ الأولَ لم تسبقهُ آلامُ الجراحِ ولوعاتُ الفِراق، فهو حبٌّ لم تُنضجهُ صدماتٌ قبله، بل هو نفسُهُ ما يُثقِلُ أي تجربةٍ تعقُبُه، إذن فإن روعتَه تكمُنُ في إحساسِه المبهرِ لخُلُوّهِ من أي ذكرياتٍ مؤلمةٍ وهو ما يجعلُهُ عالقًا بأذهان أصحابه في كلِّ ما يتبعُهُ من تجارِبَ عاطفيّةٍ إنسانيّة.

إنَّ تجربةَ الحبِّ والجرحِ الأول وتعامُلَنا معها تُشكّلُ علاقاتنا واختياراتِنا بعدَها، فقَدْ تُنشِئُ لدى بعضِنا خوفًا من الارتباط أو شعورًا بعدمِ القدرةِ على الحبِّ، وربما يصلُ ذلكَ إلى عقدٍ نفسيّةٍ أو غضبٍ شديدٍ أو عدمِ الثقةِ في الجنسِ الآخر.. إلخ
ويرتبطُ كلُّ ما سبَقَ بأسبابِ الانفصال عن الحبيبِ الأول باختلاف ظروفها كصغر السنّ وعدم كفايةِ الخبرةِ الحياتيّة مثلًا، أو انتقالِ ذلك الحبيبِ الأول للعيش بمكانٍ آخر مع أسرته، أو رفض الأهل فكرة الارتباطِ لأسباب أخرى تخصُّهُم... إلخ.
وجدير بالذِّكر أنَّ اختيارَنا للحبّ الأول غالبًا ما يكونُ مبنيًّا على علاقتِنا بوالديْنا وهذا ما سأفرِدُ له مقالاتٍ قادمةٍ لمناقشة أسبابِه ونتائجِه وأيهما يسبقُ الآخر.

وقد خلُصَتِ الكثيرُ من الدراساتِ إلى أنَّ الذين تزوّجوا عن الحبِّ الأول لا تختلفُ نسبةُ ندمِهِم عن أولئكَ الذين لم يرتبطوا بالحبيبِ الأول، إلا أن أسبابَ الندمِ هي ما يختلف، فجزءٌ منها يرجعُ إلى عدمِ النضج أو عدمِ الشعورِ بأنهم لم يكتشفوا أنفسهم من خلال خوضِ تجارِب مختلفة تُبنَى عليها خياراتٌ يدعمُهَا العقلُ مع القلب، وهذا ما عبَّرَ عنه أكثرُ الذين ارتبطوا من خلال تجرِبةِ الحبّ الأولى.

أعودُ إلى السؤالِ المطروح في أولِ المقال: هل الحبُّ الأولُ حقيقةٌ أم وهم؟
في رأيي أن الحبَّ الأولَ في حدِّ ذاتِهِ ليسَ وهمًا في نظرِ صاحبِهِ الذي يعيشُ العلاقة، لكنَّ الفكرة في قول القائل: "ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ" هي الوهمُ عينُه، إذ يجبُ أن نُفرِّقَ بينَ حنينِنا إلى الحبيبِ الأوّل نفسِه وحنينِنا إلى تلكَ الفترةِ الزمنيّةِ بظروفِها، وهنا تكمُنُ المشكلةُ لدى الناس في الحنينِ إلى الماضي وعدم التفرقةِ بين ما يفتقدونه، هل يفتقدونَ الحبيبَ الأولَ في ذاتِه أم يفتقدونَ براءةَ مشاعرِهِم في تلكَ التجربة، أم أنَّهم يفتقدونَ تلك المرحلة بكاملِ ظروفِها قبل المرورِ بما أعقبَها من الفقدِ والتعبِ وضغط الحياةِ ومتغيِّراتِها؟!

أما العنصر الأهَمّ من كون الحبّ هو الأول أو الثاني أو غيره، فهو القدرةُ على رسم خريطةٍ للذات وفهمِها قبل قرار الارتباط، وبالتالي معرفةُ ما يُقبَلُ وما يُرفَض.
وأن يكونَ اختيارُ الشريكِ مبنيًّا على أسُسٍ صحيحة، على سبيل المثال، أنْ يتّسِمَ شريكَ الحياة بأنّهُ مُتّزنٌ نفسيًّا، كريمٌ عاطفيًا، ناضجٌ عقليًا وعلميًا وعمليًا، مستقلٌ ماديًا.

نُجمِلُ ما سبقَ في أن الإنسانَ لديه القدرةَ دائمًا على الحبّ بكل أشكالِهِ ومراحلِه، ويستطيعُ دائمًا أن يتجاوزَ ما يعوقُ قدرتَه على التمييز بينَ الحقيقةِ والوهم، وأن يأخذَ من كلِّ تجربةٍ حُلوَ ثِمارِها ويطرُدَ ما يعرقلُ قدرتَهُ على الحياة.

إعلان

إعلان

إعلان