لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

 عن دورات المقبلين على "الحياة"

عن دورات المقبلين على "الحياة"

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:00 م الإثنين 03 سبتمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

منذ أن تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن قلقه بسبب ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا، تزايد الحديث عن تنظيم دورات تهدف إلى الحد من هذه النسبة، تحت مسمى دورات تأهيل المقبلين على الزواج.

وقبل حديث الرئيس المشار إليه، كنا نسمع عن أن مثل هذه الدورات تنظم في الكنيسة للمواطنين المسيحيين فقط، ومنذ يوليو 2017 اتجهت الكنيسة لإلزام المقبلين على الزواج باجتياز دورة "المشورة الأسرية" والتي تنتهي بحصولهم على شهادة تفيد بعدم وجود مانع للزواج.

ولم أكن أعلم بوجود دورات مماثلة للمسلمين، حتى فترة قريبة، حيث علمت عن طريق الصدفة بوجود دورة في دار الإفتاء المصرية للمقبلين على الزواج، أو كما يسميها دكتور عمرو الورداني رئيس إدارة التدريب في الدار والقائم على هذه الدورة، دورة "المقبلين على الحياة".

واللافت للانتباه أن هذه الدورة تنظم منذ فترة في الدار، ولكن لا يعلم عنها كثير من الناس أو الجهات، وهي تقدم خليطا من المهارات الحياتية المرتبطة بكيفية اختيار شريك الحياة وكيفية مشاركة الحياة مع شخص آخر، وكيفية الحرص على أن تكون هذه الشراكة هي المدخل للشعور بالسعادة، حيث لا يوجد فيها ما يركز على الواجبات والالتزامات فقط. كما أن هذه الدورة بها ما يتعلق بكيفية التوصل للحلول الوسط، خاصة، في ظل ضغوط الحياة اليومية.

والسؤال المهم هنا، هل هذه الدورات كفيلة بأن تقلل نسبة الطلاق في المجتمع؟

تقوم هذه الدورات على افتراض أن سبب الطلاق هو عدم توافر مهارات استئناف أو الحفاظ على الحياة الزوجية لدى الرجل والمرأة، وهو افتراض يستحق الدراسة من خلال تحليل الأسباب الحقيقية للطلاق في مجتمعنا خلال المرحلة الحالية.

وأعتقد أن اتخاذ قرار منذ البداية بالإقبال على الزواج من قبل الرجل أو المرأة مرتبط بإدراكهما الحاجة لبدء حياة من نوع جديد، تقوم على الشراكة وعلى الاستقلال عن الوالدين بصور مختلفة، وعلى القدرة على خلق ممارسات حياتية بديلة من قبل الطرفين.

صحيح أن النجاح في ذلك يتطلب مهارات من نوع معين يمكن اكتسابها من خلال دورة مثل دورة المقبلين على الحياة التي تقدمها دار الافتاء، ولكن في أحيان كثيرة يكون الاتجاه نحو الطلاق ليس له علاقة بعدم تحقق الشراكة أو الاستقلال، ففي أحيان كثيرة يتحققان في بعديهما المادي، ولا يحول ذلك دون تحقق الطلاق.

ففي تلك الحالات يكون الطلاق مرتبطا بغياب التفاهم والاحترام والتقدير لفكرة الحياة الزوجية نفسها، وربما الأهم في ظل تعقد الحياة اليومية وفي ظل تأخر سن الزواج، بغياب الاحترام والتقدير لشخصية كل منهما في عمله وفي الدوائر المرتبطة به.

فمن مشاهداتي المتواضعة، عادة ما يفضل الرجل في مجتمعنا الزواج من المرأة العاملة، ورغم ذلك فإنه بمجرد الزواج منها تتكون صورة لدى الرجل عن زوجته تقلل من أهمية عملها، وفي الوقت نفسه تضع سقفا على تقدمها المهني في ظل معادلة مغلوطة تقوم على أساس أن تكوين حياة أسرية ناجحة يعني بالضرورة أن تضحي المرأة بتقدمها الوظيفي.

وفي أحيان كثيرة ينشغل الرجل عن التقدم في عمله بتعطيل زوجته عن عملها، وليس بأي التزامات خلقتها الحياة الزوجية الجديدة.

وهذه الأمور قد تكون ناتجة عن نقص في المهارات الشخصية، وهنا تأتي أهمية هذه الدورات، ولكنها أيضا تكون ناتجة عن سوء التنشئة الذي قد يمر به الرجل أو المرأة لأسباب متعددة، وتكون مسؤولة عن تشوه صورة المرأة في ذهن الرجل وتشوه صورة الرجل في ذهن المرأة، ناهيك من تشوه العلاقة الزوجية بينهما.

وهذا الوضع- إلى جانب أنه يسهم في تكوين قرار الطلاق عند أحد الزوجين- يدفع الكثير من الفتيات والرجال الذين لم يتزوجوا بعد لاتخاذ قرار بتأخير خطوة الزواج حتى يكتمل تحقق وضعهم المهني.

ويرجع القلق من ارتفاع نسبة الطلاق في مجتمعنا، ليس إلى وجود النسبة في حد ذاتها، فالطلاق خيار أباحه الدين، وإنما إلى غياب المهارات اللازمة للتعايش مع وضع الطلاق سواء لدى المرأة المطلقة أو الرجل المطلق أو لدى أسرة كل منهما، أو لدى المجتمع، وهو ما يخلق الكثير من المشاكل التي يعاني منها بصورة واضحة الأبناء في حال تحقق الطلاق بعد الإنجاب.

وإذا كنا نتحدث عن الحاجة لدورات تأهيل المقبلين على الزواج، فهناك أيضا حاجة لدورات تأهيل المتزوجين للإقبال على الطلاق.

قد يكون قرار بدء حياة جديدة من خلال الزواج أو الطلاق شبيها بقرار الانتقال للعيش في بلد آخر، وتظل القدرة على النجاح في ذلك مرتبطة بالقدرة على فهم اللغة الخاصة بالبلد الجديد والتعايش معها بكل ما تحمله من قيم ثقافية.

إعلان

إعلان

إعلان