لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

القراءة حقٌ للجميع لا يمنعها المشايخ أو غيرهم

عادل نعمان

القراءة حقٌ للجميع لا يمنعها المشايخ أو غيرهم

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 28 يناير 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إذا كان لا بد من إقامة معرض الكتاب بالقاهرة عاصمة الثقافة، مهد الحضارات الإنسانية، ونتفاخر باليوبيل الذهبي، ونعلن على العالم أن مصر ملتقى الثقافة والمثقفين، ونتغنى بحق المواطن في التبادل الثقافي والمعرفي- فلا يصح أن نمنع كتابًا مهما كان ما يحمله هذا الكتاب من أفكار!

هذه الأفكار لا تهدم، بل تحمل رأيًا يحتمل الصواب أو الخطأ، ويرد منه وعليه؛ فهو لا يحمل بين سطوره مقدسًا لا فكاك منه، أو سيفًا لا مهرب من حده، أو سبيلًا سوى الرد عليه، فما مُنع كتاب أو أُغلق باب عن فكر أو رأى، إلا وتسرب من تحته، وتسلل من النوافذ إلى عيون القراء، وتناولته الملايين، وتداولته المواقع، وحقق رواجا وانتشارًا لم يكن ليحققه لو سمح له بالتداول ودخول البلاد من الباب، وكلنا نذكر كتاب "آيات شيطانية" للكاتب الإيراني الأصل "سلمان رشدي"!

فلم يكن هذا الكتاب معروفا لثلاث سنوات من عرضه، ظل جالسا على الأرفف في المكتبات في سكينة وهدوء، ولم يحقق مبيعات أكثر من ثلاثة آلاف نسخة، حتى أحدثت إيران الضجة من حوله، وأهدر الملالي دمه، فحقق مبيعات بالملايين في ليلة وضحاها، واصطف هذا الكاتب الفقير المتواضع "سلمان رشدي" في صفوف المشاهير والمليونيرات والكتاب المرموقين، وجدت كتبه رواجًا عالميًا، وربح الملايين والشهرة الفائقة، وأصبح مثالا حيا لقمع المعارضين في العالم الإسلامي، ونموذجا لحرية الرأي والفكر التي تصونها وتحميها دول الغرب، وما قال وما رمش وما نبس بكلمة إلا وتناقلتها وكالات الأنباء، ولو كانوا قد تركوه إلى حال سبيله لظل كتابه هذا على سكينته وهدوئه ونومه العميق على ذات الأرفف حتى الآن، وما ظهر على العالم هذا الوجه العابس العكر في محاربة الفكر أو الرأي، وما خسرنا ما خسرناه، وما أساء لنا هذا الكتاب، كما أسأنا لأنفسنا.

أنا أقول هذا بمناسبة منع كتاب (صحيح البخاري.. نهاية أسطورة) للكاتب والمفكر المغربي "رشيد أيلال" حتى تناوله الناس على شبكة التواصل الاجتماعي بشغف ونهم بالغ، وحقق قراءة لا حصر لها على كل المستويات والأعمار في أيام معدودات، وكان من أهم أسباب هذا الاضطلاع الواسع معرفة سبب منعه أو صده أو عودته إلى بلاده، وهذا السبب يتفوق على كل الأسباب الأخرى، المعرفي أو الاستكشافي، وتحقق الغرض من النشر وأكثر، وخسرنا وخسر من منعه، والخسارة الكبرى هي هذا الخوف على الدين من كتاب، أو على ثوابته- كما يدعون- مهما كان ما يحمله هذا الكتاب.

والكتاب ليس جديد الفكرة، ربما جديد التناول، وقاله وكتبه كثيرون على طول التاريخ وعرضه، ورددوا ما قاله "رشيد" وردده أيضا، ولم يعد إغلاق الأبواب أو المنع أو الحصار في وجه الأفكار أو الآراء المعارضة عملًا مجديًا أو عاقلًا، بل يظل التفاعل والتجاوب والحوار هو الفيصل والحكم، وليس المنع أو الحجر، فلا يخشى الفكرَ سوى قليلي الفهم، ولا يخاف إلا أصحاب الأفكار الهشة الضعيفة التي لا تصمد في مواجهة الحقيقة الدامغة، ولا يرتعد من المواجهة سوى أصحاب الخرافات في مواجهة الثورات العلمية، فما كان يتحمل النقاش والحوار والتبادل والتفاعل سيمكث في الأرض ومن يهتز ويترنح فسيخرج من حلبة المنافسة.

لا مجال في المستقبل سوى للعلم، وسيجلس العقل على كرسي الحكم ليحتكم له البشر جميعا حاضرهم ومستقبلهم وحتى الماضي بخرافاته وأساطيره، ونحن قاب قوسين أو أدنى.

وكتاب (صحيح البخاري.. نهاية أسطورة) يبحث عن هذه المرويات والخرافات والأساطير التي تتناقض مع المنطق والعقل، والتي رويت عن الرسول، ومعارضتها مع النصوص القرآنية.

ومن هذه الكتب التراثية صحيح البخاري لـ"محمد بن إسماعيل- البخاري" الذى يعتبره مشايخ المسلمين كله صحيحا، وأنه أصح كتاب بعد القرآن.

ووصل الأمر إلى اتهام كل من ينكر حديثا أو أحاديث منه بالكفر والزندقة والفسق، حتى لو عارض هذا الحديث أو هذه الأحاديث ما جاء في كتاب الله، حتى أصبح هذا الكتاب البشرى فوق النقد وفوق العلم.

بل اتفق كثير من الفقهاء ومن الفرق، ومنهم الأشاعرة على أن ما فيه ينسخ القرآن، والأمر لا يعدو نقاشا وجدالا وحوارا ونقدا لمنتج بشرى جمعه وحققه بشر، يحتمل ما جاء فيه من الخطأ كما جاء فيه من الصواب.

والأمر كله لا يزيد، ولا ينقص عن مرويات عن الرسول بعد مرور قرنين من الزمان.

سماء المعرفة مفتوحة أمام الجميع، لن يحجبها قرار منع أو صد.

الأفكار والكتب والمعلومات أصبحت في جيوب الناس؛ يصلون إليها في الثانية التي يفكرون فيها.

والعقل غالب، وحاكم، لا مسيطر ولا رقيب عليه، فإما الاحتكام إليه، وإما الذهاب بلا عودة ولا رجعة.

أرجوكم، لا تكرروا هذه المهزلة مرة أخرى، ولا تنسَ- أيها المانع- أن من الأبواب مئات تحيط بك، ليس لك فيها سوى باب واحد، فإذا منعته من الدخول، وجد بجوار بابك تسعة وتسعين بابا للدخول، فافتح الأبواب بيدك لا بيد عمرو.

إعلان

إعلان

إعلان