- إختر إسم الكاتب
- محمد مكاوي
- علاء الغطريفي
- كريم رمزي
- بسمة السباعي
- مجدي الجلاد
- د. جمال عبد الجواد
- محمد جاد
- د. هشام عطية عبد المقصود
- ميلاد زكريا
- فريد إدوار
- د. أحمد عبدالعال عمر
- د. إيمان رجب
- أمينة خيري
- أحمد الشمسي
- د. عبد الهادى محمد عبد الهادى
- أشرف جهاد
- ياسر الزيات
- كريم سعيد
- محمد مهدي حسين
- محمد جمعة
- أحمد جبريل
- د. عبد المنعم المشاط
- عبد الرحمن شلبي
- د. سعيد اللاوندى
- بهاء حجازي
- د. ياسر ثابت
- د. عمار علي حسن
- عصام بدوى
- عادل نعمان
- علاء المطيري
- د. عبد الخالق فاروق
- خيري حسن
- مجدي الحفناوي
- د. براءة جاسم
- عصام فاروق
- د. غادة موسى
- أحمد عبدالرؤوف
- د. أمل الجمل
- خليل العوامي
- د. إبراهيم مجدي
- عبدالله حسن
- محمد الصباغ
- د. معتز بالله عبد الفتاح
- محمد كمال
- حسام زايد
- محمود الورداني
- أحمد الجزار
- د. سامر يوسف
- محمد سمير فريد
- لميس الحديدي
- حسين عبد القادر
- د.محمد فتحي
- ريهام فؤاد الحداد
- د. طارق عباس
- جمال طه
- د.سامي عبد العزيز
- إيناس عثمان
- د. صباح الحكيم
- أحمد الشيخ *
- محمد حنفي نصر
- أحمد الشيخ
- ضياء مصطفى
- عبدالله حسن
- د. محمد عبد الباسط عيد
- بشير حسن
- سارة فوزي
- عمرو المنير
- سامية عايش
- د. إياد حرفوش
- أسامة عبد الفتاح
- نبيل عمر
- مديحة عاشور
- محمد مصطفى
- د. هاني نسيره
- تامر المهدي
- إبراهيم علي
- أسامة عبد الفتاح
- محمود رضوان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تنويه ضروري:
هذه القصة حقيقية، وليست من وحي خيال الكاتب.. ومن لا يصدق، عليه ببساطة شديدة النظر بداخله..!
اعتاد أن ينصت إليّ باهتمام شديد دون أن ينطق.. تضيق الدنيا في عيني، فألوذ إليه شاكياً.. فلا أحد غيره يمنحني الإحساس بالأمان واتساع الصدر.. هو وحده يمتص آلامي وجنوني ونزقي.. يربت على كتفي في صمت، فأذهب وكأني ألقيت حمولي وخطاياي بداخله.. إلى أن جاء ذلك اليوم..!
كنت أحدثه عن وطني، ونفسي التي هي وطني.. وكان يسمع كعادته، ولكنه هذه المرة كان يرتجف خوفاً عليّ، وحين قلت له بصوت متهدج «أخشى على نفسي من الجنون».. أطلق ضحكة مقهقهة، وقال «جنووون؟!.. ما إنت مجنون من زمان»..!
هل تكلم أخيراً؟!!.. لقد نطق.. أنا سمعته.. فقلت له بشيء من الريبة «هل قلت شيئاً؟!».. ساد صمت مطبق، وكأنه يراجع نفسه في خطأ اقترفه للتوّ، أو زلة لسان عفوية.. كررت عليه سؤالي «هل تكلمت يا دولاب؟!».. لحظات صمت أخرى، ثم سمعته من جديد «أيوه اتكلمت.. ما هو مش معقولة أسيبك وإنت في الحالة دي؟!».. واستطرد «شوف..من ناحية إنك مجنون.. فأنت مجنون والله ومن زمان.. ومن ناحية إني متعاطف معاك، فأنا بتقطع حزناً عليك»..!
آه يا عقلي.. الدولاب بيتكلم فعلاً.. لحظات وقفز إلى عيني وذهني الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي، ومقولته الشهيرة «مفيش مشكلة إنك تتكلم مع الدولاب .. بس لو الدولاب رد عليك يبقى لازم تجيلي فوراً».. إذن فأنا مريض.. ولازم أروح للرخاوي..!
غير أن الدولاب بادرني وكأنه يسمع همسي «دكتور إيه وبتاع إيه؟!.. يا عم خليك معايا، أنا فاهمك من زمان.. عشرة عمر، وأسرارك كلها معايا، لسه هتروح تحكي؟!.. وكمان مفيش حد هيحبك أدي، وإنت عارف أنا ماليش مصلحة، هعيش دولاب وهموت خشب متكسر يعملوا منه طبلية»..!
أعترف أنني صدقته، إذ بدا وكأنه جزء مني.. لذا لم أجد مانعاً في استمرار الحوار بيننا.. قلت له: عارف يادولاب.. أنا كل ليلة بحلم نفس الحلم.. إني أصحى ألاقي مصر أحسن بلد في الدنيا.. متقدمة.. متحضرة.. نظيفة من الفساد والفقر والمرض والجهل والقمامة وموت الضمير.. غير أننا لا نتغير.. وكأن نفوسنا تتحدى الزمن.. فلا هي احتفظت بنقاء الماضي ولا هي تهتم بلحظة تعيشها، ولا هي تحلم بمستقبل تسهم في صناعته..!
غرقت في أفكاري، ونسيت صديقي الدولاب.. فنظرت إليه وجدته يتنهّد بأسى، ثم أطلق ضحكة ساخرة قائلاً «يا أخينا.. حليفك النبي بلاش غم.. واضح إنك اندمجت في الدور أوي.. ماضي إيه ومستقبل إيه.. يا عم عيش وخلاص.. عيش زي ما الناس عايشين.. تصدق إنكم مش عارفين قيمة العيشة في مصر.. ده العالم كله المفروض يحسدكم»..!
«تصدق إنك دولاب عبيط واللي يتكلم معاك تاني يبقى أعبط منك..».. قلت له وهممت بالانصراف، ولكنه بادرني «الله يسامحك.. طيب اسحب كرسي وولع سيجارة وخليني أشرحلك وجهة نظري ببساطة، ويا سيدي لو ماقتنعتش إنت في سكة وأنا من سكة»..!
كان هادئاً واثقاً، فجلست وأشعلت سيجارتي، وقلت «اتفضل يا دولاب.. افتي».. فرد: شوف.. لو فاكر إن العيشة في الدول المتقدمة حلوة وفلة تبقى غبي لامؤاخذة.. دي مصر أحسن بلد وأحلى عيشة..!
هتلاقي فين بلد كل واحد بيعمل فيها اللي هو عايزه وبراحته.. بلد يهزه وينيّمه ويصحّيه بوست على الفيس بوك.. أو فيديو فنانة تعدت الخمسين بلباس فاضح.. أو خناقة بالألفاظ النوتي بين رئيس نادي ولاعب عنده 18 سنة؟!
بلد الناس فيه بتخالف القانون بالقانون، وبتمشي عكس الدنيا كلها، ومع ذلك كلنا فخورين بها، وبنقول للعالم كل يوم إحنا أعظم أمة، مع إننا لم نقدم للبشرية الحديثة أي إسهام في أي حاجة.. عايشين في كوكب تاني.. كوكب بتاعنا لوحدنا.. تمليك يعني..!
هتلاقي فين بلد بيغرق في ساعتين أمطار.. والناس عادي خالص.. قلعوا ونزلوا في الميه؟! والمسئولين بيقولوا إن الأمطار خدعتنا ونزلت زيادة.. وكأن يا أخي مصر عاملة اتفاق مع السحاب على حصتها من الأمطار..!
هتلاقي بلد فين يصحى فيه ممثل زي محمد رمضان الصبح، فيقرر إنه «يسوق طيارة» بركابها.. والكابتن الطيار فرحان وبيحلف إن رمضان هو اللي سايق؟!.. ما هو الأسطورة لازم يسوق الطيارة ويضرب صواريخ كمان، لأنه عمل حفلات غنائية حضرها عشرات الآلاف وماحدش قاله إنت بتعمل إيه يا أخينا؟! هو الباشا عضو في نقابة الموسيقيين ولّا واخد تصريح بالغناء..؟!
يا راجل دي بلد جميلة وسكر.. هو إنت خايف على الطيارة والركاب وسمعة مصر وطيرانها ومش خايف على الشباب اللي قالع عريان وبيغني وشايل مطوة زي «رمضان»؟!!
هتلاقي فين بلد.. الناس فيها بترمي الزبالة من عربية مرسيدس في عرض الشارع.. والمدهش إنهم كلهم بيشوفوا العالم نضيف وبيلمع، فيقولوا يا عيني علينا عايشين وسط القمامة؟!.. يا مفتري هتلاقي شعب بيدمر بلده ليل نهار ومتصالح مع نفسه فين ومنين؟!
التزمت الصمت بينما كان الدولاب يواصل:
يا راجل ده إحنا الشعب الوحيد في الكرة الأرضية اللي بنمشي بعربية نقل ومقطورة عكس الاتجاه على الدائري، ومحدش بيكلمنا.. تصدق إنهم في أوروبا والدول المتقدمة معندهمش عقوبة للسير عكس الاتجاه، لأن اللي بيعملها بيدخلوه مستشفى أمراض عقلية؟!.. عايز مستشفى العباسية عندنا تبقى طوابير؟!.. عايز دماغ أحلى من كده، والله دي تبقى بواخة وقلة أدب..!
هتلاقي فين شعب ظريف.. دمه خفيف.. واخد قلم في نفسه من غير أي أمارة.. يقولك الراجل المصري لما بيسافر أي بلد الستات بيجروا عليه، على طريقة «إيجيبشين هيبوسني»، وبعدين نلاقي بلدنا ضمن قائمة الدول الأكثر استهلاكاً للفياجرا والسيالس وخلافه؟!
ويقولك إن الطفل المصري أذكى إخواته.. طيب لو دي حقيقة، حالنا واقف ليه في ذيل الأمم؟!.. واحد يطلع ويقولك التعليم هو السبب.. الولد بيتولد عبقري، والتعليم يدخله الفرن يطلع واد «مفقع» كده ومش فاهم حاجة..؟!.. يمكن.. بس المدهش إننا بنقول من مائة سنة إننا هنطور وبنطور التعليم.. ومع ذلك التعليم مش بيطور.. يمكن يا صديقي التعليم نفسه هو اللي مش عايز يطور..!
هتلاقي فين بلد الوطنية فيها أغاني وشعارات، مش مسئولية وعمل وإنتاج وعلم، والوطني أكتر هو اللي يحط علم مصر على حسابه في الفيس بوك، ويكتب «مصر هي أمي».. وبعدين يخربها في الشارع والشغل..!
هتلاقي فين بلد نخبته أفسد من حكومته.
أحزابه سبوبة طرية وحلوة.
رموزه تغتالها بوستات الشائعات والفضايح.
إعلامه عارف إنه مش إعلام وفاكر إنه بيضحك على الناس، مع إن الناس هي اللي بتضحك عليه.
الجاهل كاتب مشهور.
والمنافق سياسي لامع.
والمتلون نجم تليفزيوني.
والشيخ مركب دقن وراكب على جناح الدين علشان السلطة والدنيا والجاه.
والشباب فاقد الانتماء، وكأنه عايش معانا ضيف.
والمدرسة فاضية.
والبيت بقى مدرسة.
والمقاول بيغش لأن المهندس مرتشي.
والطبيب مابيدفعش ضرائب علشان بطن المريض مفتوحة.
والموظف فاتح الدرج، والدرج فاتح على مكتب المدير.
والمصنع بقى خرابة لأن صاحبه لهف القروض وطار.
والعامل عامل نفسه مظلوم وسايب الماكينة وقاعد ع الفيس بوك.
والواد بتاع «الدبلوم» بقى ملياردير.. ومع ذلك زعلان وغضبان وبيشتم!
ودكتور الجامعة مرتبه بيدفعه «أبو دبلوم» بقشيش في «النايت كلوب»..!!
فاهم حاجة ياعم..؟!
قلت: لأ
قال الدولاب ضاحكاً: ما هو ده المطلوب يا عبيط..! واستطرد: بس الجميل في كل ده إننا مرتاحين.. خلي بالك التخلف ده مريح أوي.. لأن التطور فاتورته غالية جداً.. مفيش فساد.. مفيش حاجة تحت الترابيزة.. مفيش فهلوة ولا سرقة آمنة من العقاب ولا سلطة تفلت من المحاسبة.. خلينا يا عم عايشين وكل واحد إيده في جيب التاني.. فيه أبدع من كده..؟!
وصلت الآن إلى السيجارة الثالثة.. صمت الدولاب للحظات.. ثم صرخ في وجهي: احمد ربنا إن البلد عايشة وأكتر من مائة مليون واحد بينهشوا في لحمها.. دي لو أمريكا بجلالة قدرها كانت اتكومت في كام سنة.. عارف يا واد يامجدي إن الناس في مصر يتحسدوا لأنهم طول الوقت شايفين إن المشكلة في الحكومة مثلاً.. أو في المؤامرة العالمية ضدنا.. أو في الحرب الكونية علينا.. وعمرهم ما وقفوا مع نفسهم لحظة واحدة وقالوا إننا أصل المشكلة.. حاجة كده عبقرية مش هتلاقيها إلا في مصر..!
شعب شبه حكومته، وحكومة بنت شعبها، بيوت نظيفة وشوارع متسخة، فن وإبداع وقوى ناعمة راحوا وبقوا أطلال.. لا الدولة بتحب الفن
ولا معجبة بالإبداع، علشان كده تخلت عن ريادتها باختيارها.. بس الواقع الرديء ده عاجب الكل، لأنه لو مش عاجبهم كانوا غيروه.. يبقى تتنيل وتعيش وترحمنا من أحلامك الساذجة ولا لأ..؟!
تدحرجت دموعي على أشلائي.. حاولت أن أنهر الدولاب.. غير أن صوتي انحشر في حلقي.. انتابتني رغبة عارمة في تحطيمه.. لماذا..؟! هل لأنه حطم حلمي بواقع مرير أنا جزء منه.. أم أنه قرأ ما بداخلي ثم فهمه أكثر مني..؟!
آه يا رأسي.. الجنون يلفني.. صرخت بفزع.. هرولت زوجتي نحوي.. كنت ملقى على الأرض.. روحي تخنقني.. جسدي يرتعد.. زوجتي لم تفهم همْهمتي.. بالكاد قلت لها «اطلبي الدكتور يحيى الرخاوي فوراً».. ردت «ليه يا حبيبي.. إيه اللي حصل؟!».. قلت برعب «الدولاب بيكلمني»..! نظرت زوجتي في الغرفة وهي تضرب كفاً بكف، وقالت «بس إحنا ما عندناش دولاب أصلاً»..!
قلت: يا نهار إسود...!
إعلان