لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مهرجان القاهرة السينمائي الذي بُعث من جديد

د. أمــل الجمل

مهرجان القاهرة السينمائي الذي بُعث من جديد

د. أمل الجمل
08:59 م السبت 30 نوفمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في تقديري الشخصي أن الدورة الحادية والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي كانت دورة ناجحة على مستويات عديدة، وحتى إن كان هناك ملاحظات، فسنتعرض لها بالنصف الثاني من المقال.

لكن الأكيد أن الدورة خرجت بصورة تدعو للفخر، بأن مهرجان القاهرة منذ ليلة الافتتاح تجاوز المحلية بأناقة لافتة، باعتماده على تقديم فقرات مكثفة، معبرة، ودولية في دلالتها، حتى مع «البرومو» المقدم بلقطات من أشهر وأروع أفلام السينما العالمية الممزوجة بلقطات لنجوم مصريين في هارموني بصري.

ضخ المهرجان في شرايينه دماءً جديدة شابة، نجحت في صبغه بملامح دولية مُبشرة، وذلك أيضاً من خلال التعاون الدولي المتعدد، من دون أن يغفل المهرجان أن تتواجد تلك الروح العربية على أقسامه، ليس فقط، من خلال رفع عدد الأفلام بمسابقة آفاق السينما العربية، أو الحرص على وجود أفلام عربية من إنتاج العام- حتى وإن عرضت بمهرجانات عربية أخرى بعد عروضها الدولية- فهي فرصة مهمة للجمهور؛ حيث تُعتبر منصة المهرجان النافذة تقريباً شبه الوحيدة للجمهور- العادي والدارسين وربما عدد من النقاد- لمتابعة جديد السينما العربية.

أيضاً، تمثلت تلك الروح العربية- بعد كل تلك الجوائز التي حصدتها السينما العربية ليلة الختام- في تكريم نادين لبكي حتى وإن اختلفنا حول تقييم أفلامها، لكن من دون شك أنها حققت نجاحات دولية، وقدمت أفلاماً قريبة من الجمهور، وهذه أمور يجب وضعها في الاعتبار.

أما تزايد أعداد الجمهور، فقد كان لافتاً- خصوصاً في النصف الأول من الدورة- وإقبال فئات مختلفة على مشاهدة الأفلام بالأوبرا، وقد لاحظت ذلك بالحفلات التي حضرتها بسينما زاوية. حتى أفلام أسبوع النقاد التي كانت غالباً ما تتقاطع مع أفلام مهمة من البرامج الأخرى، لكنها كانت تجد لها دائماَ جمهوراً متزايداً بشكل مختلف عن الأعوام السابقة.

ذكاء المراجعة
مع ذلك ما زلنا نتمنى أن ترتفع حصيلة الجمهور أكثر وأكثر، خصوصاً أن المهرجان يُقام في نطاق القاهرة الكبرى التي يكاد يقترب عدد سكانها من ثلاثين مليون نسمة، وأعتقد أنها أمنية يمكن تحقيقها بعقد مزيد من اتفاقيات التعاون مع المعاهد والجامعات الأخرى، على غرار اتفاقية التعاون التي وقعها محمد حفظي، رئيس المهرجان مع جامعة القاهرة.

المؤكد أيضاً أن هذا النجاح لم يأتِ من فراغ؛ فمنظمو المهرجان لديهم من الذكاء والاحترافية ما يجعل عيونهم باستمرار على التجارب الناجحة للآخرين للاستفادة منها، مثلما صار لديهم القدرة على تفادي الأخطاء الآنية بسرعة، وكان هذا واضحاً منذ اليوم الأول على شباك التذاكر فتم حل المشكلة بتخصيص أماكن للصحفيين والنقاد.

الأهم، في تقديري، أن منظمي المهرجان لم يتجاهلوا النقد الموجه إليهم في الدورات السابقة، فقراءة النقد عن جوانب الضعف أو المناطق السلبية هو بداية النجاح، لأن المديح يُعتبر تحصيل حاصل، وربما لن يفيد في تطوير الإنسان، أما معرفة مكمن الضعف، فهي الخطوة الأولي في الطريق إلى القمة. ولا شك أن مهمة منظمي المهرجان في الدورة القادمة ستكون الأصعب؛ لأنه سيكون مطلوبا منهم- ليس فقط- الحفاظ على هذا النجاح، ولكن أيضاً، إضافة تطورات أخرى عميقة.

الأثر الثقافي للمهرجان إلى أين؟
صحيح أن عروض الأفلام في حد ذاتها، والنقاشات التي تبعتها كانت أحد الجوانب الثقافية المهمة، فهذا الأمر بشكل أو بآخر يُسهم في إعادة بناء وتشكيل وعي جمهور عريض، وقد تتجلى آثاره بوضوح بعد خمس، أو ربما عشر سنوات من الآن. فالثقافة السينمائية آثارها تراكمية، مثل فعل الزمن على الجلد الحي للإنسان.

لذلك، أعجبني تعدد حلقات النقاش والندوات، مع تنوع تيماتها، وبدا عدد منها شديد الأهمية لي، مثل ندوة «هل توجد حياة بعد الإنتاج المشترك؟» والتي قامت على حوار مع المنتجة ديانا إلباوم ومدير مبيعات أفلام جابور جراينر، وأدارت النقاش دينا إمام، منتجة فيلم «يوم الدين».
وأعتقد أن موضوع مثل «الإنتاج الإبداعي: حجر الزاوية في صناعة الأفلام المستقلة» موضوع كان يهم عددا غير قليل من شباب السينمائيين والطموحين لإنتاج سينما مغايرة في ظل ثنائية صعوبات الإنتاج الحالية ووفرة التكنولوجيا غير العادية.

ربما تكون أضعف الندوات في جذب الجمهور بصورة لافتة جداً تلك الحلقة البحثية التي أقيمت على مدار يومين عن السينما المصرية والمُقدمة من جمعية نقاد السينما المصريين، ورغم أهمية كثير من الأوراق البحثية المقدمة - حتى وإن تحفظنا على بعضها إذ كان دون المستوى- لكن كان من المهم جذب الجمهور لها من معهد النقد الفني، بالاتفاق مع الأستاذة والمسئولين هناك، فأرجو أن يتحقق ذلك مستقبلاً.

أعجبني تفكير إدارة المهرجان في سُبل جذب جماهيري ممتزجة بالخبرات الشبابية من صناع الأفلام، فاعتمدوا على توظيف نجوم من الشباب لهم جمهور متزايد من المعجبين، مثل الروائي والسيناريست أحمد مراد الذي شارك في حلقة نقاشية بعنوان «الخيال يتحول إلى واقع»، وشاركه النقاش كل من فادي إسماعيل المؤسس والمدير العام لشركة DKL استديو، والمنتج بول ميلر، وأدار النقاش المحلل السينمائي علاء كركوتي.

الحقيقة التي لا بد من ذكرها هنا أن الإقبال المتزايد للجمهور لم يقتصر على عروض الأفلام، وهذا أمر مُدهش ومثير للإعجاب، فتحت عنوان «كيف تُروى القصص الشخصية في عصر سلاسل الأفلام؟» أقيم حوار مع المخرج والكاتب الحاصل على جائزة أوسكار ستيفن جاجان، والذي أداره المنتج والسيناريست محمد حفظي، وكانت واحدة من الندوات التي لم أجد لي مكاناً لحضورها بسبب التدافع والإقبال عليها. وستيفين جاجان، حاصل على الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس عن فيلم «زحام»، وفاز أيضا بجائزتي جولدن جلوب كأفضل سيناريو وأفضل ممثل في دور مساعد، بالإضافة إلى جائزة بافتا لأفضل سيناريو مقتبس.

كما فاز "جاجان" بجائزتي إدجار، وجائزة آيمي لأفضل كتابة درامية عن حلقة من مسلسل «إن واي بي دي بلو». فهل تم تسجيل تلك الندوة لتُصبح في أرشيف المهرجان، ويمكن لمعهد السينما، والباحثين المهتمين، والدارسين الاطلاع عليها للاستفادة منها؟!

الآن، لديّ تساؤل يخص محاضرة أُقيمت لمدير التصوير الإيطالي فيتوريو ستورارو، الذي تم تكريمه ليلة الختام، والذي قال بفخر، أنا لست مدير تصوير أنا مصور سينمائي. لقد قمت بتدريس العديد من الماستر كلاسس، لكنني حريص على التعلم لأطور نفسي.
أما تساؤلي: فلماذا اقتصر حضور الماستر كلاس على مديري التصوير فقط، الذين تحدث معهم «ستورارو» عن فن التصوير الذي تميز فيه على مدى أكثر من نصف قرن، وتلك الرحلة حقق خلالها الكثير من الإنجازات، فاستحق عليها أكثر من ٥٠ جائزة دولية من بينها ثلاثة جوائز أوسكار. فقد عمل مع مخرجين عظام مثل برتولوتشي، وفرانسيس فورد كوبولا، وكارلوس ساورا، وآخرين. وفي تاريخه أفلام من أبرز وأهم روائع السينما العالمية مثل الإمبراطور الأخير، والسماء الحامية، وتانجو، كما أنه مصور فيلم «محمد رسول الله» للمخرج الإيراني مجيد مجيدي.

أعتقد أن الإنصات لتجربة وخبرات فيتيور ستورارو أمر يهم ليس فقط مديري التصوير، ولكن أيضاً الدارسين، وعدد من النقاد المهتمين بتأمل العملية الإبداعية. فواحدة من المآخذ الموجهة للنقاد أنهم لا يقومون بتحليل الجانب البصري، وأحد جوانب التكريم هنا ليس فقط في الاعتراف بمكانة هذا المصور، والاستفادة إعلامياً من تكريمه، ولكن أيضاً الاستفادة من خبراته ومحاوله تعليمها للأجيال الجديدة.

لكل ما سبق، أدعو إدارة المهرجان، على الأخص الكاتب والسيناريست محمد حفظي، رئيس المهرجان، والزميل أحمد شوقي، المدير الفني للمهرجان للدورة المقبلة، إن كان قد تم تسجيل تلك الندوات أن يتم تفريغها بفريق عمل من المتطوعين، ويتم مراجعتها، وتكون واحدة من إصدارات المهرجان في العام القادم، وأتمنى أن يفي شوقي بوعده أثناء اللقاء الصحفي معه بأن يتم تجاوز النقص الذي كان واضحاً هذا العام فيما يخص الإصدارات من الكتب السينمائية.

عن لغتنا العربية مجددا
من زواية أخرى، كان هناك حلقة نقاشية بالغة الأهمية في رأيي؛ لأنها ببساطة تصب في نفس مأزق عرض الفيلم العربي في دور العرض المصرية، وكان عنوانها "استراتيجيات تقريب الفيلم الأجنبي للجمهور"، وأدارتها سونيا هاينن European Film Promotion، وشارك في النقاش كل من المحلل السينمائي علاء كركوتي، وفيرينا شتاكلبرج، مهرجان برلين السينمائي الدولي، والممثلة والمنتجة لابينا ميتيفسكا، ودانييل زيسكند، فيلم كلينك، وأجياث فالنتين TOTEM FILMS. ويلخص أهميتها المشهد التالي:

أمام شباك التذاكر بالأوبرا وقفت أتحدث مع الناقد السينمائي محمد بدر الدين، كنت أرشح له فيلماً جزائرياً لمشاهدته، وفجأة قالت سيدة خمسينية تقف إلى جوارنا، وكانت تُنصت لتختار فيلما تُشاهده: «ما بنفهمش لهجتهم يا أستاذة. يا ريت ترشح لي لنا أفلام أجنبية».

الحقيقة، ورغم أني حاولت إقناعها بأن تعود نفسها على المشاهدة، وسوف تتعود على تلك اللهجة، لكن كلمات تلك السيدة كانت صائبة وحاسمة. وهذا لا ينتقص من أي سينما عربية، ولكنه يضعنا في مواجهة مع إشكالية مهمة في التوزيع. وتجعلنا نتساءل: لماذا لا تتم كتابة ترجمة عربية على شريط الصورة، على الأقل حتى يعتاد جمهورنا على هذه اللهجة.

كما أن فكرة الاكتفاء بوجود ترجمة إنجليزية هذه لا تزال خطوة نتمنى أن يتجاوزها القائمون على المهرجان ويقتدوا بالمهرجانات الدولية الكبرى في ضرورة توفير اللغة المحلية على شريط الصورة.

وبهذه المناسبة، أتذكر واقعة، منذ سنوات قليلة مضت، عندما أضاف مهرجان برلين كلمة ترحيب باللغة العربية على شاشاته، وقتها كثير من الزملاء النقاد الحاضرين أشاد بتلك الخطوة واعتبرها اعترافاً باللغة العربية.
إذن، لماذا لا نعترف نحن في بلادنا باحترامنا للغة العربية، حتى لو تكبد ذلك بعض التكاليف الإضافية، لكنها تكاليف لا تُقارن بالنتائج التي ستحققها.
وبالمناسبة، يمكن اللجوء لمتطوعين، فأنا أتذكر عندما زرت سوريا ٢٠١٠ أحضرت معي أفلاما سينمائية على أقراص الـ"دي في دي" كانت جميعها مصحوبة بترجمة عربية، وكلها ترجمات تطوعية.
فلماذا لا يبحث منظمو مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن المتطوعين في هذا المجال؟ ومؤكد أنهم سينجحون.

إعلان

إعلان

إعلان