لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حجاب سما المصري والهوس بالأضواء

د. أمــل الجمل

حجاب سما المصري والهوس بالأضواء

د. أمل الجمل
09:01 م السبت 21 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سمعته يقول بصوت ضاحك مشوب بالسخرية: "والله أنا عرفتها من ظهرها طبعا، لم يكن هذا "اللفظ" ذاته الذي استخدمه أحد الصحفيين الشباب تعليقاً على رؤية سما المصري، وهى ترتدي الحجاب، وتمر سريعًا على الرد كاربت ليلة افتتاح مهرجان "القاهرة السينمائي". كانت ترتدي حجابًا أحمر لافتًا، وكانت تسير في عكس الاتجاه كأنها في طريقها للخروج للقاء أحدهم على بوابة العبور. إذًا، اجتمع أكثر من سبب لرؤيتها بوضوح.

أغلب الواقفين ابتسموا بنظرة ذات مغزى. ابتسمت أنا أيضًا مستنكرة، ليس اعتراضًا على الحجاب، فـ"الله يهدي مَنْ يشاء"، لكن استنكاري مرجعه أن الزي أسفل الحجاب لم يكن له أي علاقة بالحجاب، فقد ذكرتني فورًا بمن ارتدين الحجاب على جسد عارٍ وذهبن للتصوير أمام بعض المساجد العريقة، بغض النظر هل كان التصوير أمام مسجد حقيقي أم جرافيك، فالمهم هو الصورة النهائية والرسالة التي تريد أن تُوصلها للمشاهد.

لا يُشين أحد سواها

ما كانت ترتديه سما في تلك الليلة لا علاقة له بالحجاب، رغم أنها ارتدت نفس الطرحة التي ترتديها المحجبات وبنفس الطريقة. ولن أتفق مع مَنْ يقول إن هذا حجاب مُشين للمحجبات، إنه مشين لسما المصري وحدها. وهذا يُذكرني بسؤال لإحدى الصحفيات - في اللقاء الصحفي مع القائم بأعمال المدير الفني لمهرجان "القاهرة" أحمد شوقي - عن لماذا يُرسل المهرجان دعوة افتتاح وختام إلى سما المصري؟ وكان رده أن المهرجان لا يُرسل إليها أي دعوات، لكن هناك عددًا من الدعوات لا يمكن التحكم في توجيهه.

بالطبع رد شوقي منطقي جداً، وهذا ما يحدث في أغلب مهرجانات الوطن العربي بالمناسبة، لا يمكن التحكم في جميع الدعوات؛ لأن هناك جهات مختلفة لديها حصة من تلك البطاقات، لكن ما أود توضيحه أن كل إنسان يحمل آثار ونتائج سلوكه هو، أن ملابسه وتصرفاته تُدينه هو وحده، فوجود سما المصري بين أروقة مهرجان القاهرة أو سيرها فوق سجادته الحمراء، أو حتى حضور ندواته أو أفلامه لن ينتقص من المهرجان شيئاً، كذلك لا يحق لأحد أن يمنعها من الحضور، طالما كان لديها دعوة أو بطاقة. لكن ربما يجوز لنا أن نندهش ونلقى علامات تعجب.

فارتداء سما المصري للحجاب على زي يُجسد أدق تفاصيل جسمها أمر يدينها وحدها، لكن إذا أردنا فقط فهم الجانب النفسي وراء هذا التصرف يُمكن ببساطة أن نتساءل: لماذا ارتدت سما الحجاب؟ هل من أجل الحشمة والتقرب من الله؟ أم من أجل لفت الأنظار؟ أم لأنها لم تجد وقتاً كافياً للذهاب إلى الكوافير؟

اللخبطة الفكرية

لو كان الحجاب للحشمة فلماذا ارتدت معه ذلك الفستان الضيق جداً؟ فهو فستان لا يصح ولا يتناسب مع مفهوم الحجاب وفقط، لكنه أيضاً يُعبر عن لخبطة فكرية في ذهن هذه السيدة. فهي تتباهي بجسمها، وهيئته، وتكويناته، لذلك تجعل الآخرين يصورونها، ثم ترفعها للمشاهدة على اليوتيوب، وما أكثر هذه النوعية من الفيديوهات المصورة لها في دول مختلفة، وليس فقط في مصر.

والسؤال الآن: إذا كانت سما المصري مُعجبة بجسمها وتتباهي به فلماذا ترتدي قطعة من القماش تُخبئ بها شعر رأسها؟ هل لأنها ترى أن شعر المرأة، أو رأس المرأة، أو بالأحرى عقل المرأة عورة يجب تغطيته؟ لو كان الأمر كذلك، واتفقنا على أنها ترى رأس المرأة عورة فماذا عن العُجز؟ أليست هي الأخرى عورة في نظر سما المصري؟ أم أنها مصدر لجذب الأضواء وعدسات المصورين؟

ربما لا تُدرك سما أنها تستطيع أن تجذب الكاميرات أيضاً عن طريق الرأس والفكر، لكن عموماً أسلوبها في تلك الليلة أعادني لتذكر فترة سابقة عندما انتشر الحجاب في مصر بطريقة توحي بأنه كان موضة، وأصبح سلوكًا جمعيًا، بمعنى أن البنات والنساء كن يجدن أن الجُموع تتجه للحجاب، وبعض هؤلاء كن يخشين من التفرد، أو أن تبدو الواحدة منهن شاذة عن القطيع، فيكون القرار والحل المريح هو اللجوء إلى الحجاب؛ لتكون المرأة أو الفتاة الشابة واحدة من المجموع يصعب تمييزها، خصوصا في سن المراهقة. كثيرات من البنات والنساء اعترفن بذلك في أعمال وثائقية.

تمرد واختيار

لكن بعد تجربة تولي الإخوان المسلمين حكم في مصر - في أعقاب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ - خلعت مجموعة غير قليلة من النساء من أعمار متفاوتة الحجاب، وكأنه رد فعل آخر ثوري احتجاجي ضد حكم الإخوان. اللافت في الأمر أنه رغم محاولات البعض لاحقاً الاستفادة من تلك الموجة وتنظيم مظاهرات تدعو النساء لخلع الحجاب، لكن المدهش أن الاستجابة كانت ضعيفة، وبدا التصرف عفوياً وكأن النساء اعتبرنه قرارًا شخصيًا، نحن ارتدينا الحجاب، وقررنا خلع الحجاب، ولسنا بحاجة إلى تظاهرة لخلع الحجاب.

أنا، هنا، لست مع أو ضد مَنْ ترتدي أو تخلع الحجاب. كل امرأة - سيدة أو فتاة - لديها حرية الاختيار، فيما يُريحها ويجعلها متصالحة مع نفسها، لكن أنا هنا أتحدث عن تصرف وسلوك مجتمعي، فأثناء فترة انتشار الحجاب كان هناك فئة ترتدي الإيشارب القصير ومعه بنطال ضيق جداً يكاد يُبرز أدق تفاصيل الجسم، ويكون أكثر إثارة من العري، وبعضهن كن يرتدين الحجاب على ملابس قصيرة، أو مع بلوزة بفتحة كبيرة كاشفة للصدر. كانت تلك ظاهرة لافتة، كاشفة للتناقض، وتقول بوضوح إن هذا الحجاب ليس بحجاب، إن الحجاب كان قد تحول إلى زي اجتماعي متفق عليه.

سطح منزلق

عموما الهيئة التي ظهرت بها سما المصري كانت مناسبة تماما لشخصيتها، ومُعبرة ببلاغة عن الارتباك الذهني عندها. وطبعاً وارد جدا أن تكون الأستاذة سما لم تجد الوقت الكافي للذهاب إلى الكوافير فقررت أن تضع إيشاربًا أحمر على شكل حجاب، لكن المرجح أكثر أنها قامت بخطوة تكتيكية لجذب كاميرات التصوير، ولفت انتباه رواد السوشيال ميديا معتقدة أنها ستصبح تريندًا. لكنها فكرة طائشة. وحتى في حال نجاحها سيكون مصيرها ذيل القائمة بعد يوم أو يومين لأنه سيأتي شخص آخر وموضوع آخر يحتل التريند، وأيضاً بشكل مؤقت. فالجميع يتحرك بشكل مؤقت، على سطح منزلق، يصعد أحدهم فيتزحزح آخر بالضرورة، كل هؤلاء أشبه بالتروس في ماكينة إعلامية حديثة تسحب الناس للهامش الضحل، حيث مزيد من السطحية والهوس الجنوني بالأضواء.

إعلان

إعلان

إعلان