إعلان

الزمالك وملامح أزمتنا الحضارية

طارق أبو العينين

الزمالك وملامح أزمتنا الحضارية

طارق أبو العينين
09:00 م الأحد 29 ديسمبر 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حالة من الحزن والأسى تنتاب مشجعي فريق الزمالك هذه الأيام، في ظل التراجع اللافت في مستوى أداء ونتائج الفريق، لكن الكارثي في الأمر هو حجم التخبط الإداري الرهيب داخل القلعة البيضاء؛ فمجلس الإدارة لم يكتفِ بصنع تلك الأزمة، بل ساهم كذلك في استمرارها بفعل عجزه عن إيجاد الحلول المناسبة لها، ما أدى إلى تفاقمها.

ويعتقد كاتب هذه السطور أن الأزمة الحالية التي تمر بها مؤسسة الزمالك إدارياً هي بكل تأكيد انعكاس لأزمة حضارية يعيشها المجتمع المصري؛ شأنه في ذلك شأن معظم مجتمعات العالم الثالث، وهي أزمة لها أربعة ملامح، كما أتصور:

الملمح الأول هو غياب الوعى النقدي وما يترتب على هذا الغياب من انحسار لفضيلة الاعتراف بالخطأ، ولذلك نجد عادة أنه عندما تفشل إدارة لدينا في تحقيق وبلوغ أهدافها عبر سياسة معينة فإنها لا تسعى إلى نقد ذاتها والاعتراف بأخطائها، ومن ثم تقليل حجم أضرار تلك السياسة آنياً وتلافيها مستقبلياً، بل عادة ما يحدث العكس؛ حيث يميل نمط الإدارة العالمثالثي البائس إلى رفض مبدأ مراجعة الذات رفضاً مطلقاً ومحاولة إلصاق وصمة فشل السياسات الإدارية بالآخرين، وهو ما فعلته إدارة الزمالك عندما حملت الفشل لخصومها داخل النادي سواء من أعضاء المجلس السابق أو منافسي مجلسها الحالي في الانتخابات السابقة وهو ما يقودنا إلى الملمح الثاني.

وهو أنه عندما تكون سياسات أي إدارة فوق النقد والمساءلة، فإن الفشل الإداري من وجهة نظر تلك الإدارة هو نتاج مؤامرة كونية أو أعمال سحرية شريرة وهو منطق يعكس حجم التراجع الرهيب الذى أصاب العقلانية في مجتمعاتنا، فلا أظن أن هناك إدارة مسؤولة في أي مكان من العالم المتحضر يمكن أن تعتمد على التفكير الخرافي لتبرير الفشل في مواجهة جماهيرها؛ لأن ذلك لا يعنى إلا عجزها التام عن مواجهة المشاكل بحلول عقلانية، على اعتبار أن مصدر تلك المشاكل يقع خارج نطاق العقل وقدراته من وجهة نظرها، كما يعني كذلك استثمارها لحالة الجهل المتفشي، التي سادت مجتمعاتنا بفعل انتشار هذا التفكير الخرافي الذى بات يحل لدى قطاع عريض من العامة محل التفكير العلمي والمنهجي الذى يتطلب إفساح المساحة المناسبة لأهل العلم والاختصاص في كل المجالات، وهو ما يقودنا إلى الملمح الثالث.

وهو المتمثل في غياب أو تغييب أهل القدرة والكفاءة عمداً والحيلولة بينهم وبين الإسهام بالرأي العلمي والفني في حل مشكلة فريق الكرة بنادي الزمالك وهو أيضا نهج عالمي لا يقل بؤساً عن غياب التفكير العقلاني واتباع الخرافة؛ لأنه يعتمد ببساطة على تطفيش أهل الكفاءة والخبرة، إذا كانت آراؤهم مخالفة لآراء الإدارة، ومن ثم فإن سماع صوتهم باهتمام وإشراكهم في حل مشكلات النادي سوف يضرب نرجسية أصحاب سلطة الإدارة في مقتل على اعتبار أن الانفراد بالقرار وعدم الاستماع إلى أصحاب الكفاءة والخبرات الفنية هو دليل على وعي الإدارة وقدرتها على اتخاذ القرار، وهو ما يقودنا إلى الملمح الرابع والأخير من ملامح أزمتنا الحضارية .

وهو تعاطي إدارة الزمالك مع فكرة السلطة باعتبارها مغنمًا شخصيا، وليست مسؤولية عامة، الهدف منها هو إسعاد الجماهير، ولذلك تميل تلك الإدارة دائماً شأنها شأن غيرها من الإدارات في مجتمعات العالم الثالث إلى الانفراد بالقرار بإبعاد أهل الخبرة والكفاءة وتقريب الموالين، لأن هذا النهج هو الجدير بتحويل أي مؤسسة إلى ((أوليجاركية)) أي جماعة صغيرة من المنتفعين الملتفين حول الإدارة أو المنتمين بقرابة عائلية إلى أي من أفراد طاقمها بما يسهل عملية الاستئثار بالسلطة، بل نقلها من جيل إلى جيل داخل تلك الأوليجاركية.

إعلان