لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الشدائدُ مفتاحُ الصندوق

د. براءة جاسم

الشدائدُ مفتاحُ الصندوق

د. براءة جاسم
09:00 م السبت 02 مارس 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هكذا أراها. مفتاحُ صندوقِ حقيقتِنا. كأن الشدائد هي ما تبين حقيقة شخصياتنا لتكشِفَ لنا جوانبَ من شخصياتنا وشخصيات الآخرين التي لا نرى عادةً غير لمحاتٍ خفيفةٍ وومضاتٍ منها في الأيام العادية.

نجد أنفسَنا بعد حدثٍ جللٍ أمام حقيقتنا فنرصَدُ أشياء بشكلٍ مكثّف، أشياء ربما كانَ من الصعبِ أن نرصدَها سابقًا، لكن مواقع التواصل الاجتماعي هي ما أظهرتها بشكلٍ جلي، بل مرعبٍ في بعضِ الأحيان.

الغاضب، اللّوام، الشّتام، المحلّل، المفكّر، المتأنّي، المتشائِم والمتفائل وما بينهما ربما نسمّيه "المتشائل"، ذلك الذي يتأرجح ما بين الأمل واليأس... إلخ.

وهناك أيضًا من يعيشُ في عالمٍ موازٍ لكل هذا؛ لا يكترث لأي حدث، فيكملُ حياته كأن شيئًا لم يكن.

هذه هي المراحلُ التي يمرُّ بها الإنسانُ بعد تعرضه لصدمة ما أو تلقيها، وتختلفُ كثافةُ تلك الأعراض من شخصٍ لآخر، ويختلف معها زمن بقائه في كل مرحلةٍ من هذه المراحل. لذا فإنكَ إذا ما تابعتَ الناسَ في نقاشاتهم الحياتية اليومية أو من خلال "السوشيال ميديا"، ستشعر للحظاتٍ بأنك وسط مئات ألوف البشر يتحدثونَ في وقتٍ واحدٍ دون أن يصمتَ أحدُهم، ويستمعَ إلى الآخر، ويرجعُ ذلك إلى اختلافِ كل شخصٍ (أو مجموعة) منهم في المرحلةِ التي يمرُّ بها.

هذه المراحلُ هي الصدمةُ والإنكار، ثم الخوفُ من تكرار ما حدث، سواء على نفسه و/أو على أحبّته، وتأتي بعد ذلك مرحلةُ الغضب التي تنقسم بين الغضبِ ممن تسبّب في هذه الصدمة، والغضبِ مما تعرَّضَ له ضحايا تلك الصدمة، ثُم الحزنُ على ما فقد أو من فقدوا وعلى عدم الإحساسِ بالأمان... إلخ، ويصاحبُه أحيانًا إحساسٌ بالخزي كنتيجة للشعورِ بالعجزِ أمام ما حدث.

وما بينَ هذه المراحلِ كلِّها هناك عمليةٌ موازيةٌ تحدث، وهي أنك تحتاجُ إلى إجاباتٍ عن أسئلةٍ كثيرةٍ قد لا تكونُ هناك إجاباتٌ عنها في حينها، فيبدأ عقلك في اختلاق إجابات لحيرتك، وبوجود السوشيال ميديا فأنت ترى كل ما تجودُ بِه عبقريةُ كل شخصٍ وفلسفته، وتنقسمُ الأشخاصُ إلى مجموعاتٍ مؤيدة، وأخرى معارضة، نحنُ وأنتم، رأيي ورأيُك، وما إلى ذلك من صراعات.

ثمّ بعد كل هذه المراحل التي ذكرناها، تهدأ الأحداث ظاهريًّا، لكنّ رواسبها تستقرّ في أعماق كل شخصٍ منّا، لتطفوَ بعد ذلك على السطحِ الأمراضُ النفسية باختلافاتها عند البعض، كاضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق الشديد، والفوبيا... إلخ.

سأتوقفُ عند هذا الحد والحديثُ يطول، لكن لا رغبةَ ليَ اليوم في ارتداء قبعةِ الدكتورة النفسية.

تعازِيَّ لكل من فقدَ حبيبًا أو صديقًا أو قريبًا. الألمُ واحدٌ لأنَّنا أبناءُ وطنٍ واحد.
تغمَّدَ اللهُ كلَّ من فُقِدوا برحمتِه، وتمنياتي بالشفاءِ العاجلِ لكلِّ المصابين.
وتحيةً واجبةً لكلِّ الأبطالِ الذين تظهرُ معادنُهُم في الشدائد، محبِّي هذا الوطن.

إعلان

إعلان

إعلان