لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كوستا المتسرع!

عبد الهادي محمد عبد الهادي

كوستا المتسرع!

د. عبد الهادى محمد عبد الهادى

كاتب وأكاديمي مصري

09:00 م الخميس 18 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فى الخامسة من صباح يوم فى عام 1999 إستيقظ "جيمس كوستا" على صوت جلبة وطرقات عنيفة على بابه، ففتح وهو عاريا نصف نائم يترنح ليجد أمامه وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالى مسلحين ببنادقهم الرشاشة، وعلى الفور بدأوا فى تقييد حركته ومصادرة أجهزة الكومبيوتر الخاصة به.

‎ولد كوستا عام 1975 وعندما إلقى القبض عليه كان فى الرابعة عشرة من عمره، مضت حياته كما لو كانت سلسلة من القرارات السريعة والمغامرات الخطرة، افتتن الطفل بالكومبيوتر ووجد فيه وسيلته للمغامرة وإثبات الذات، فشارك وهو فى المرحلة الإعدادية فى تطوير نادى الكومبيوتر بالمدرسة، وأقنع الإدارة بضرورة إضفاء الطابع الرسمي عليه، وتحويله إلى مشروع تجارى يدر ربحا، وعمل كمستشار للنادى فى تقنية المعلومات منذ الثانية عشرة، وبحلول عيد ميلاده الثالث عشر كان يربح حوالى 1500 دولار شهريا.

‎بدأ يتصرف كالكبار، فاتخذ خليلة تكبره بخمسة أعوام، يسهر كثيرا مع أصدقاءه، وينفق الكثير من المال، ويعود متأخرا إلى المنزل، ومن ثم يتغيب عن المدرسة. تدخل والديه وقالا له أن عليه التركيز فى الدراسة والتوقف مؤقتا عن العمل والانفصال عن صديقته إذا كان يريد أن يعيش معهما تحت سقف واحد، لكنه لم يقبل النصيحة وذهب إلى المحكمة ليقدم للقاضى ما يؤكد أنه مسئول بما يكفى لأن يعيش مستقلا عن والديه، فاقتنع القاضى وسمح له أن يترك بيت والديه وأن يعيش وحيدا.

‎بدأ القرصنة بدافع التفاخر والمباهاة، ولفتت مهارته فريقا من القراصنة الذين كانوا يبحثون عمن يساعدهم فى الوصول والتجسس على بيانات ومعلومات عن عدد من البنوك والشركات الكبرى، لم يتوقع كوستا لنفسه النجاح من أول محاولة اختراق يقوم بها، ولم يتوقع نتائج ما قام به، لكنه نجح فى اختراق عدد من مواقع وأنظمة عدد من البنوك الامريكية، وعدد من الشركات الكبرى منها "جنرال إليكتريك" و "آى. بى. إم.".

‎كان قد انفصل عن والديه قبل عام واحد من القبض عليه وتقديمه للمحاكمة فى عدة تهم بالقرصنة، انتهت إلى الحكم عليه بالسجن لمدة 45 عاما، كان يتوقع من الجميع أن يتصرفوا كوالديه، وأن يتوقفا عند حد النصيحة، لم يتوقع لحظة أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من السوء، لم يكن يتوقع إلقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة، وأن يجد نفسه مضطرا لقضاء كل حياته فى السجن، لذلك بدا طفلا مذعورا ذاهلا عندما ألقى القبض عليه.

‎رأى القاضى نفسه أمام متهم طفل مضطرب مهمل يحتاج إلى الإنضباط أكثر مما يحتاج إلى القسوة، ورأى شرارة الذكاء فى عينيه فقرر أن يمنحه فرصة للنجاة وقرر تعليق العقوبة إذا وافق كوستا على الالتحاق بلجيش، ووافق كوستا على الصفقة فلم يقض من سنوات السجن سوى عاما واحدا فقط أمضاه فى معسكر للأولاد فى "سانتا باربرا"، خلال تلك الفترة تدرب ضمن فرق مكافحة حرائق الغابات وشارك فى الصفوف الخلفية فى عمليات مكافحة الحرائق، وكان لتلك الفترة القصيرة أثر كبير على حياته، فيقول عنها " إن رؤية رجال الإطفاء وهم يعاملوننى باحترام كانت تعني لى الكثير، تلك المرحلة الهامة ساهمت فى تكوينى كرجل وخلالها أدركت للمرة الأولى أنني قد أكون مفيدًا للناس بدلاً من أن أكون ضارا وشريرًا.

‎تنفيذا للصفقة إلتحق بالجيش عندما وصل سن 18، فانضم إلى القوات البحرية الأمريكية وعمل فى مشروع للاستخبارات البحرية تم نقله بعدها إلى وكالة المخابرات المركزية ليجد نفسه فى سن 20 يعمل فى قسم المحللين بوكالة المخابرات المركزية، ومسؤولاً عن تتبع حركة الأموال التي تذهب إلى أمراء الحرب والشيوخ المتطرفين في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كما شارك مع مجموعات عمل فى اختبارات لاختراق عدد من المنشآت العسكرية والمدنية واختبارات لسرقة البيانات من الخارج ووضع الخطط والاستعدادات للحرب الرقمية الوشيكة.

‎بعدها تم تعيينه من قبل وكالة المخابرات كمقاول أو وسيط لدى شركة "ميكروسوفت"، ثم أسس -مع أخوه- أحد أول المواقع الإلكترونية التجارية التى تركز على الأسواق المالية، وفى عام 1999 باعاها فى مقابل عشرات الملايين من الدولارات. وعندما وصل الربعة والعشرين كان قد أصبح مليونيرا ورائدا من رواد التكنولوجيا، وهو الآن يدير مؤسسة "ثرى جى ستوديوز"، وهى شركة لألعاب الفيديو تجاوزت أرباحها فى العام الماضى أكثر من 10 ملايين دولار. وبعد الحادي عشر من سبتمبر2001 عاد للعمل مع وكالة المخابرات المركزية مرة أخرى حيث شارك فى تصميم لعبة محاكاة لعملية قصف مدينة "لاس فيجاس" بقنابل قذرة وخطط التعامل مع مثل هكذا كوارث وكيف سيتصرف رجال الإنقاذ.

‎ردا على سؤال حول ما لفت انتباهه إلى العالم الافتراضي قال أنه وقع في حب مفهوم الترفيه التفاعلي، ذلك الذى يسمح للناس أن يصنعوا قصصهم الخاصة، وأن جانب المحلل فى شخصيته يدفعه لمتابعة الأمور كما لو كنت تراقب مجموعة من النمل من أعلى، لتتعرف على كيف يتعاطى الأفراد مع قصة ما، وكيف يتفاعلون مع المؤثرات التي تضعها بعناية في مكانها المناسب، كان مفتونا -ولا يزال- بالقرصنة الاجتماعية وكيف يمكن –باستخدام معلومات وبيانات الأفراد- الوصول إلى ما تريد وتحقيق الأهداف المرجوة.

‎كان شابا ذكيا ومتمردا، لم يستمع لنصيحة والديه، وافتقد من يدله على الطريق الصحيح، لم تكن علاماته المدرسية وسجلات الحضور هى المؤشرات الوحيدة على إسهامه المحتمل في المجتمع، يشعر كوستا بالعرفان تجاه من تفهموا قضيته وساعدوه ومنحوه فرصة أخرى فى الحياة، وينصح المجتمع أن يتحلى ببعد النظر فى التعامل مع هؤلاء الأطفال والمراهقين المشوشين والمضطربين، ويعتقد أنه لو نظرنا إلى الأمور- بعمق- كما فعل الناس معه سابقا، لإكتشفنا أنه يتوجب علينا مساعدة هؤلاء فى إكتشاف إمكاناتهم وتطوير مهاراتهم، وترعى شركته الخاصة "ثرى جى ستوديوز" عدة مشروعات لرعاية وتوجيه الأطفال والمراهقين المضطربين والمشوشين والجانحين.

إعلان

إعلان

إعلان