لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

العلم والسياسة

د. غادة موسى

العلم والسياسة

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م السبت 20 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أجل... هما مترابطان، ومكملان لبعضها، وليسا متنافرين. العلم وجه أعمال السياسة عبر العصور، بل يمكن القول إن العلم أسهم بشكل كبير في تكوين السلطة والنفوذ. فمن يمتلك العلم حتماً يسيطر على العالم.

فالعلم ليس ملكاً للعلماء وحدهم- وإن كان صنيعتهم- بل هو ملك للناس ومنهم الساسة.

والساسة يستطيعون إخراج العلم للنور، لو توافرت الإرادة والرغبة.

فالعلم حجة بين الناس. وهو الفيصل والحكم في المقام الأول. وهو القانون الذي يفسر الظواهر. وسأستدل على الترابط بين العلم والسياسة من التاريخ ومن مؤرخينا، وأبرزهم الدكتور جمال حمدان الذي وضع أربعة مجلدات حول "شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان" وهي دراسات في الجغرافيا السياسية.

---

أيضا عندما قام نابليون بونابرت بحملته على مصر لقطع طريق الهند على إنجلترا، ما أسفر عن احتلال الأرض والمكان والثقافة المصرية لقرابة ثلاثة أعوام، شرع في إنشاء "معهد مصر"، وذلك وفقا للوثائق المصرية عن الحملة الفرنسية التي أشارت دار الوثائق المصرية إلى أنها ستنتهي من طباعتها مع نهاية عام ١٩٩٨.

جدير بالذكر أن جيش نابليون لم يضم جنودا فحسب، بل كذلك علماء، ومن مختلف الاختصاصات في المساحة والجيولوجيا والكيمياء والآثار والهندسة والرسم الصناعي والتاريخ الطبيعي والطب. وكان الهدف من إنشاء ما يعرف باسم "معهد مصر" أن يصير على غرار "معهد فرنسا".

وكانت مهمة معهد مصر هي "نشر الأنوار في مصر"، حيث عقد المعهد ٦٢ جلسة بين العلماء تمت فيها قراءة ومناقشة مئات التقارير والمذكرات التي صارت فيما بعد من مكونات كتاب "وصف مصر"، الذي تم نشره عقب خروج الحملة الفرنسية بستة أشهر عام ١٨٠٢.

وقد صدرت المجلدات العشرون عام ١٨١٠، وتم إهداؤها لنابليون، حيث كُتب في مقدمة المجلدات عبارة "مصر أغنى متحف في الكون".

وخلال عمل العلماء في معهد مصر طالبهم نابليون بالبحث عن حلول لبعض المشكلات، منها كيفية الاستفادة من أكوام الأنقاض المحيطة بالقاهرة- والتي لا تزال محيطة بها... كما طلب حلولاً لإقامة طواحين للهواء أو للماء في مصر، فضلا على طرق حفر الآبار في الصحراء.

وهي مطالب- وإن كانت تعكس ذهنية المستعمر في جعل مصر ظهيرًا ثقافيًا اقتصاديا وتجاريا وعسكريا لفرنسا- تخبرنا عن فائدة العلم في توطيد السلطة وتحقيق الغايات السياسية.

وقد استكمل الدكتور جمال حمدان هذه المسيرة من موقع العالم الوطني في كتابته التي أطلق عليها " شخصية مصر"، وهو مسمى يحمل دلالات الإبداع والتجدد والنضج والتفرد. فهو لم يصف مصر بل قام بتحليل الشخصية المصرية من منطلق علمي، مستخدما علم الجغرافيا السياسية، الذي يكشف عن علاقة التأثير والتأثر بين الجغرافيا والسياسة.

فهو العلم الذي يبحث في استفادة السياسة من حقائق ومعطيات المكان من مناخ ومساحة وتضاريس، والكيفية التي تؤثر بها السياسة بناء على ذلك في أحوال الناس والدول، مثل قرار حفر قناة السويس للاستفادة من إمكانات موقع مصر الجغرافي لخدمة التبادل الدولي والاقتصاد العالمي، وما ترتب عليه من تداعيات وتطورات سياسية.

---

ولم يقف الأمر، مع الاحتكاك والتفاعل بين العلم والسياسة، عند هذا الحد، بل امتد إلى البحث في الحد من تداعيات التقدم العلمي والاستخدام المفرط لمنتجاته، من أجل إنقاذ الناس وتحسين نوعية حياتهم بالعودة إلى استخراج كنوز المكان واستثمارها والتوعية بمنتجاتها في شكل دواء بديل للموجود.

فدراسة المناخ والطب البديل والحفاظ على البيئة والبحث في كنوز الداخل عن حلول لآلام الخارج من شأنه الحد من التبعية للآخر، وليس فقط وقف استيراد دواء لا نملك سر تصنيعه.

ويمكننا أن نتصور الفائدة التي تعود على المجتمع والبشرية إذا ما استفاد الساسة من العلم في صناعة السياسات العامة متابعة تنفيذها.

فمصر يد الإنسانية على الأرض وإسهاماتها السخية على مر العصور لا يجب أن تنقطع إذا ما تضافر العلم مع السياسة، ودفع الساسة بالعلم إلى المقدمة، واحتكموا إليه في وضع سياساتهم.

فمثلما يحرص بعض الساسة على قراءة "الأمير" لنيقولا مكيافيللي، فإنني أدعو الساسة- بالمثل- إلى قراءة شخصية مصر لاستلهام العبر واستخلاص الدروس.

إعلان

إعلان

إعلان