لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أما بعد..

لميس الحديدي

أما بعد..

لميس الحديدي
12:15 م الإثنين 29 أبريل 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

انتهى الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذي شارك فيه أكثر من ٢٧ مليون مواطن مصري في الخارج والداخل، وافق منهم ٢٣ مليونًا على التعديلات بينما رفضها قرابة الثلاثة ملايين. فهل تلك نقطة النهاية، أم أنها في حقيقة الأمر يمكن أن تكون نقطة بداية جديدة لنا جميعا: لمن قال نعم ومن قال لا ومن أبطل صوته أو حتى لمن لم يشارك وعاد "للكنبة"؟

نقطة بداية للدولة والمعارضة ولمن وقف بينهما لا يملك إلا حبه لهذا الوطن، نقطة بداية يمكن أن تجعل القادم أكثر وضوحا وأكثر يقينا المهم أن نشارك فيه جميعا وأن نحدد اتجاهه وذاك هو الاختبار الذي يواجه الكل بلا استثناء.

أعاد الاستفتاء على هذه التعديلات الحراك السياسي للعقل المصري مرة أخرى… وأيا كانت ملاحظاتنا على هذا الحراك واتجاهه ومساحته إلا أن الواقع كان أمامنا جليا فقد كان المصريون جميعا يتحدثون عن التعديلات وعن السياسة: في البيوت، في المقاهي، في الجامعات وفي أماكن العمل. ذاك مكسب هام عليه ألا يفلت منا، فمشاركة المصريين مهمة، وهو أمر أدركته الدولة جيدا في هذا الاستفتاء، وعزوفهم عن الشأن العام نتائجه لا يمكن معرفة عواقبها، كما أننا لا يمكن أن نحفز المشاركة في أوقات بعينها بينما نعزلها في أوقات أخرى! المشاركة مكسب مهم علينا جميعا أن نتمسك به ونحافظ عليه.

لكن تلك المشاركة تحتاج كالعادة إلى تحليل مضمون. وقبل ذلك التحليل علينا أن نتعامل مع كل الأرقام (الموافقين والمعارضين والمقاطعين) بنفس المنطق: فجميعهم مصريون وجميعهم يريدون مصلحة البلد الذي يعيشون فيه، كل بطريقته وكل برأيه، فإذا أردنا أن يكون الاستفتاء نقطة بداية حقيقية، علينا أن نتخلى جميعا عن نوازع المكارثية التي تجتاحنا ولا نطبقها على من قال نعم أو من قال أو حتى من قاطع. دعونا نتعلم كيف نقبل الآخر ونحترم رأيه فلا نخونه ولا نلفظه. فليس كل من قال نعم منافقا، وليس كل من قال لا إخوانيا وليس كل من قاطع سلبيا مستهترا. تلك نقطة البداية، احترام الآخر.

ولأن المشاركة مكسب كبير، فإن تحليلها الآن هو الأهم لكي يدرك الجميع بوصلة الطريق. فإذا كان ٤٤.٣٪‏ قد شاركوا، فقد امتنع عن المشاركة نسبة ٥٥.٦٧٪‏ (المدعوون للاستفتاء ٦١ مليونًا تقريبا).

صحيح أن معدل المشاركة من أعلي المعدلات خلال السنوات الأخيرة إلا أننا يجب أن نلتفت للمقاطعين أيضا، وهنا يأتي دور الأرقام: ما هي أكثر المحافظات مشاركة وما هي أكثرها عزوفا، الفرق بين الحضر والريف، بين بحري وقبلي، متوسطات الأعمار المشاركة والعازفة، وتأثير تجربة الوافدين على التصويت؟

المعلومات هنا مهمة جدا لصانع القرار ولغيره لتحديد الخطوات القادمة. فهي كاشفة لمعدل رضا الناس أو عدم رضاهم وتوزيعهم الجغرافي .

ثم نأتي لرقم مهم وهو رقم الموافقين (٢٣مليون يمثلون ٨٨.٨٣ ٪‏ ممن شاركوا). هؤلاء – أيا كانت الملاحظات علي سبل خروجهم - ينتظرون من الدولة الكثير. فقد صوتوا أساسا على المستقبل وعلى رغبتهم في الحفاظ على الاستقرار. هؤلاء ينتظرون - بأمل - التحسن في أحوالهم المعيشية، يترقبون وصول الأرقام الاقتصادية - التي تباهي بها الحكومة - إلى جيوبهم وبيوتهم، يثقون في إدارة البلاد لكنهم يطمحون إلى حياة أفضل، وذلك لن يتأتى إلا بمزيد من التشغيل، مزيد من الاستثمارات الخاصة والأجنبية لدعم زيادة الدخول بشكل حقيقي، هؤلاء ينتظرون من الدولة الكثير، الموافقة بالنسبة لهم كانت نقطة بداية وليس غاية الطموح.

أما المعارضون (فمثلوا ١١ ٪‏) فهؤلاء أيضا لهم مطالب، ولا يجب أن تلفظهم الدولة أو تعتبرهم أعداءها، فقد اختلفوا على التعديلات وهذا حقهم وذاك ما تمت دعوتهم إليه: إبداء الرأي. هؤلاء – وغيرهم - ينتظرون أيضا بداية جديدة ربما تتضمن فتح المجال العام، وتخفيف قبضة الدولة على الرأي الآخر في الإعلام، إفساح المجال لأحزاب المعارضة الشرعية بالعمل وربما يحلمون مثل أسر عديدة بقرار من الرئيس - وتلك سلطته - بالإفراج عن شباب محكوم عليه في قضايا تظاهر أو قضايا رأي، هؤلاء وغيرهم – رغم اختلافهم مع الدولة الآن - يمكن بل يجب أن يكونوا جزءا من المنظومة السياسية الصحية للدولة، فالمعارضة هي جزء من نسيج النظام السياسي، وإذا كنا نريد حكمًا رشيدًا لا يقوم علي رأي واحد- عانينا عواقبه في الستينيات - فعلينا أن نقبل الجميع ونفسح لهم الطريق.

لكن نفس هذه الأرقام التي قد تحدد لصانع القرار خطواته القادمة، أظنها كاشفة للمعارضة أيضا، وأظن أن المعارضة المدنية في مصر عليها أن تقف مع نفسها وقفة حقيقية بعيدا عن توزيع الاتهامات والشماعات لتكتشف أين مواطن الخلل، ولماذا لم تجد طريقها للمواطن المصري. صحيح أنها قد واجهت تضييقا، إلا أنها تعرف جيدا أن التضييق لم يكن كل المشكلة، وأن هناك مشكلات عضوية في بناء الأحزاب المصرية وأيديولوجياتها وطرق وصولها للشارع والخلاف حول قياداتها. تلك المشكلات هي نفسها التي أفشلت ثورة ٢٠١١ وسلمتها للإخوان، وهي نفسها التي أفقدت المواطن الثقة في أن يجد فيهم بديلا مقنعا. الوقت الآن متاح لهذه الأحزاب أن تبني قواعدها من جديد، تخرج من عباءة الثورة والشعارات إلى التحرك على الأرض وسط الناس، تتعلم من تجارب العالم، تدرب كوادرها، وتجهز لاستحقاقات عديدة قادمة من محليات وانتخابات مجلسي نواب وشيوخ وصولا إلى انتخابات الرئاسة ٢٠٢٤، لكن الهدف الأول يجب أن يكون استعادة ثقة الناس، تلك نقطة البداية.

فإذا كان كل ما سبق يحمل نقاط بداية يمكننا جميعا أن نبني عليها، فأظن أن الاستفتاء حمل عنوان نهاية لجماعة الإخوان المسلمين أو كاد. فتلك الجماعة التي رفض المصريون حكمها في يونيو ٢٠١٣ بقيت ذيولها تحاول العودة للتغلغل داخل المجتمع المصري بشتى الطرق مستغلة مشكلات عدة وأخطاء عديدة أيضا. إلا أن نتيجة الاستفتاء أكدت بما لا يدعو لأي شك لفشل الجماعة حتى في استغلال التعديلات للعودة. فخلاف المصريين حول التعديلات لم يتضمن – في أي لحظة - رغبة في العودة لزمن الإخوان.. لقد كان خلافا سياسيا مدنيا بامتياز وذلك هو وعي المصريين الذي يمكننا أن نعول عليه. بينما تاهت في الزحام حملات إلكترونية مثل "أنت مش لوحدك"، وأخرى مضحكة كثورة الصفافير والأواني وغيرها من التفاهات كثير. تلك – للأسف - بدت وكأنها تجد طريقها لفترة وجيزة فقط لأنها وجدت أرضا خصبة في ظل تكبيل الإعلام المصري لأسباب غير مفهومة . لكنها عندما واجهت المواطنين في الشارع وأمام صناديق الاقتراع باختلاف مشاربهم، سقطت سقوطا مدويا. لقد أغلق المصريون ملف الإخوان بإرادتهم الحرة وذلك مكسب لا يمكن إغفاله.

تمر حياة الشعوب والدول بدورات عديدة من انتصارات وانكسارات، النجاح يكون لمن يستغل اللحظات الفارقة لبدايات جديدة قد لا يتوقعها منة الآخرون، وهذا الاستفتاء يمكن أن يكون بداية لطريق جديد، يشارك فيه المصريون جميعًا، لا نستثني منهم أحدًا… ذلك هو طريق المستقبل إذا أردنا .

إعلان

إعلان

إعلان