لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أن تحكي.. عن الرواية والكاتب وما بينهما ..

د.هشام عطية عبدالمقصود

أن تحكي.. عن الرواية والكاتب وما بينهما ..

د. هشام عطية عبد المقصود
09:01 م الجمعة 07 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يقدم لنا الروائي المصري الكبير علاء الديب في كتابه مختارات من القصص الأوروبية والأمريكية الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب نصا مترجما قصيرا بديعا للروائي الأمريكي الشهير هنري ميللر يحكي فيه الأخير شيئا عن تجربة وهدف الكتابة وعنوانه "حكمة القلب" يرى فيه أن الكتابة مثل الحياة رحلة اكتشاف دائم، مغامرة ميتافيزيقية، طريق غير مباشر للتعامل مع الحياة. ويضيف: "لست سوى رجل يقوم برواية تاريخ حياته، هذا عملي الذي لا يفرغ أبدا، بل هو يتعاظم كلما تقدمت فيه، إنه كتطور العالم لا نهاية له"، ثم بحثا عن تفرد أو صوت روائي خاص يقص حيرته وما سلكه في سبيل ذلك "حاولت أن أقلد كل أسلوب بحثا وراء السر الذي كان يهرب مني دائما كيف أكتب؟"، ثم يكمل: "ألقيت بكل شيء فوق ظهر الدولاب، حتى هؤلاء الذين أحببتهم أعظم الحب، وسرعان ما سمعت صوتي الخاص، وعندما سمعته انتشيت به، لقد كان صوتا منفصلا، قادما من بعيد متميزا".

ويثير هذا النص القصير قضية بواعث الكتابة لدى الروائي كما يمكن أن يمتد السياق إلى المبدع بشكل عام في مجالات الأدب والفنون، ولعل واحدة من أجمل سير الكتابة عموما والكتابة الروائية خاصة ما قدمه الروائي الإنجليزي جراهام جرين في مذكراته المعنونة: "تجربتي في كتابة الرواية" أو بالأحرى "طرائق للهروب" كما جاءت في سيرته الذاتية التي ترجمها أحمد عمر شاهين ونشرتها دار أخبار اليوم عام 1991 عقب وفاة المؤلف غزير الإنتاج الذي قدم ما يقرب من 24 رواية وعددا كبيرا آخر من مجموعات القصص القصيرة والمسرحيات وكتب الرحلات فضلا عن سيناريوهات الأفلام السينمائية.

والكاتب يتعامل مع الكتابة الروائية كتجربة إنسانية نابضة يمزجها بوقائع الحياة لتكون تعبيرا فذا عن تحولات النضج وفكرة التطور رؤية وتاريخا، مؤكدة على أن الكتابة ليست عملا ساكنا تقف حدوده إبداعيا عند نقطة نمو متكلسة لا يتجاوزها الروائي بل تواصل على مدرج يتطور، وهي رؤية تنبع من تجربته وحالة التأليف الغزيرة المستمرة والمتطورة لديه، والتي ربما ميزت تجربة الروائيين أصحاب الإنتاج الغزير، والتي تجعلهم يتجاوزون البدايات تطورا ونموا وإصرارا، وهي تقف على عكس تجربة الروائيين أصحاب الإنتاج المحدود وربما أيضا المتشبثين بتسلط فكرة الكمال الفني، من أصحاب النتاجات القليلة والتي تبدأ بعلامة روائية قوية ومؤثرة وربما عملاقة، وكأنها مقامات نضج متأخر، فتقف عائقا عن الاستمرار خشية عدم تجاوز البدايات فنيا، فيحول ذلك بينهم وبين التسامح مع الذات الأدبية ثم الاستمرار فلا يتركون أنفسهم لمراودات وغوايات الكتابة.

لهذا ربما نلحظ في كثير من الآداب العالمية هذين النوعين، الكتاب والمؤلفين أصحاب التجارب القليلة الفذة في مقابل الكتاب أصحاب الإنتاج الكثيف الذي ينضج وينمو على مهل في اتجاه تطور وغايات فنية واسعة.

يصف جراهام جرين في الكتاب تجربته من زاوية أنها " كانت طرقا للحياة، وإني أعتبر الكتابة شكلا من العلاج النفسي، وأتساءل أحيانا كيف يمكن لأولئك الذين لا يبدعون أدبا أو رسما أو موسيقي أن يهربوا من الجنون والكآبة والذعر المتأصل والملازم للوضع الإنساني، وقد كتب الشاعر الإنجليزي أودن يقول الإنسان يحتاج إلى الهروب احتياجه إلى الطعام والنوم العميق".

ويحكي جراهام جرين ملامح تطوره ونظرة الروائي كثيف الإنتاج لأعماله الأولى"في رواياتي الأولي لم يكن الحبل السري مع الشخصيات قد قطع غالبا، وسوء استخدامي المزعج للتشبيه والاستعارة، وهناك الكثير جدا من الصفات وشروح كثيرة للدوافع بلا ثقة في قدرة القارئ على الفهم والإدراك، الوصف مطول والحوار مبهم مع إن الحوار في الرواية لا بد وأن يكون شكلا من الفعل والإسراع في الفعل"، ثم يقولها صريحة بلا لبس: "كل من روايتي الثانية والثالثة يمكن للمرء أن يجدهما فقط في مكتبات بيع الكتب القديمة، فقد أوقفت طباعتهما وهما من الرداءة بحيث أنهما تحت مستوي النقد أو حتي مجرد استشارة أي ناقد، السرد فيهما مسطح ومتكلف مع لغة طنانة".

ويقدم أيضا في ذات السيرة شهادة عن قيام بعض الروائيين بالكتابة للسينما وما تشكله تلك التجربة لديهم من ملامح ما تقاطعا أو بعدا عن تجربة الإبداع الروائي " شاشة السينما ليست كصفحة الفولسكاب تختبر عليها الفكرة، كما أن هناك أيادي آخري تتدخل، ورغم أن تجربتي في السينما كانت سعيدة ومحظوظة، ومع ذلك كم شعرت بالراحة حين عدت إلى عمل الرجل الواحد، إلى خصوصية الغرفة التي تتحمل فيها المسؤولية الكاملة من النجاح أو الفشل".

هامش:

فقبل يده ظهرا وبطنا وتساءل لم يساور الإنسان قلقا وقد وهبه الله النعمة والكمال، فأجابت أمه بلا تردد: إنه الشيطان يا بني، حقا إنه الشيطان ولكن أي شيطان؟!" ( نجيب محفوظ، رواية "الحرافيش").

إعلان

إعلان

إعلان