لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

  رؤية ولا فلكي؟

د. جمال عبدالجواد

رؤية ولا فلكي؟

د. جمال عبد الجواد
09:11 م الجمعة 07 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كنت أظن أننا في مصر نتبع الحسابات الفلكية في تحديد بدايات الشهور العربية، إلا أن ما حدث مساء الاثنين الماضي بين لي أنني كنت على خطأ، وأن رؤية هلال الشهر الجديد بالعين المجردة ما زالت الشرط اللازم والكافي في رأي دار الإفتاء المصرية. لست متأكدا ما إذا كان الأمر يتعلق برأي شائع ومتفق عليه بين المعنيين في دار الإفتاء، أم أن الأمر يتعلق بالرأي الشخصي لفضيلة المفتي الحالي شوقي علام؛ لكن انقسام الدول الإسلامية بين من احتفلوا بالعيد الثلاثاء ومن احتفلوا به الأربعاء يبين أن الخلاف في الرأي حول هذه القضية يضرب كل بلاد المسلمين ولا يستثني أحدا.

أترك أمر الهلال واستطلاعه للمختصين، وأكتب عن حالة عدم اليقين، وما يصحبها من ترقب ومفاجأة وإثارة. في الأيام الأخيرة من رمضان كانت الأنباء تأتي متضاربة عن يوم العيد؛ وأعلنت دار الإفتاء أن مفتي البلاد سيدلي بالقول الفصل في بيان يلقيه نصف ساعة بعد مغرب اليوم التاسع والعشرين من رمضان. ضبطنا مؤشرات الراديو، ورحنا نستمع لبيان المفتي في ترقب، وهو أمر لم يفعله أغلبنا منذ سنوات، عندما كانت بداية الصوم ونهايته يحددها المفتي في بيان يصدره، ويستمع له الناس كافة. وقتها لم يكن هناك حسابات فلكية؛ فقط كان هناك توقعات لا تحرم رمضان والعيد من حقهما في أن يأتيا في الوقت الذي يحلو لهما. وقتها لم يكن مستغربا أن يأتي رمضان مبكرا بيوم واحد عما توقعه الناس، فيسارع الناس لشراء الفول والزبادي لزوم السحور؛ أو أن تهرول الأسرة لشراء ملابس العيد الذي أتي يوما واحدا قبل الموعد الذي توقعه الناس؛ ويقضي الناس أياما بعدها يحكون في سعادة عن مغامراتهم في هذه الليلة المثيرة.

ذكرني الترقب والارتباك الذي صاحب بداية عيد الفطر هذا العام بروح الترقب والمفاجأة التي كانت تطبع حياتنا قبل عقود قليلة، ليس فقط في مطلع الشهور العربية، وإنما في كل شيء تقريبا. كان ذلك زمن لم تكن فيه التليفونات موجودة في كل بيت، وكانت الطريقة الوحيدة للقاء قريب أو صديق هي أن تذهب لزيارته في بيته بلا موعد مسبق. كان من العادي أن تتجشم عناء الانتقال والمواصلات لتجد أن أهل البيت الذين توجهت لزيارتهم غير موجودين، فتترك لهم رسالة شفوية مع الجيران، وتعود أدراجك من حيث أتيت.

كان أحد الأقارب البعيدين لوالدك يزوركم في غياب كل كبار الأسرة، ويكون على صبي الأسرة اليافع مجالسة الضيف والقيام بواجب الضيافة، فيتدرب الصغير على الحديث في موضوعات الكبار، وعلى القيام بواجباتهم.

كان من العادي لجرس الباب أن يدق في أي وقت، وكنا نفتح الباب غير مستبعدين أن نجد أي أحد يقف هناك. قد يكون الواقف بالباب عما أو خالا، أو أسرة الخالة بأكملها جاءت لزيارة أسرة شقيقتها. قد تجد بالباب العم القادم من الريف، وقد جاء لقضاء عدة أيام في القاهرة، يقضي فيها بعض المصالح، ويزور أولياء الله، متوقعا استضافته في بيتكم الصغير، بكل ما في هذا من إرباك وبهجة مفاجئة.

كان الميسورون من الناس يذهبون لقضاء بعض الوقت في المصيف، فتنتقل الأسرة بكامل أمتعتها إلى الإسكندرية، وهناك ينتظرون على المقهى القريب من محطة "الترام" في سيدي بشر أو الإبراهيمية، حتى يعود رب الأسرة من رحلة البحث عن شقة بإيجار مناسب في موقع قريب من البحر، فتتوجه الأسرة للسكن الموعود، وما فيه من مفاجآت الموقع والمساحة والمشهد الذي تطل عليه "الفراندة"، والحسناوات من بنات الجيران، والشبان المتيمين في الجوار.

لم نعد نترقب أيا من هذه الأشياء الآن، وأصبح كل شيء في يومنا متوقعا ومحسوبا سلفا. تضاءلت مساحة اللا يقين في حياتنا، وأصبح جدول مواعيدنا مشغولا ومشحونا، لا يحتمل مفاجآت، أو ضيفا يأتي بغير ميعاد، أو رمضان يطيل أيام الصيام ليوم واحد إضافي. بتنا متأكدين من أشياء أكثر في حياتنا، فهل أصبحنا أكثر سعادة؟ طب هو يعني إيه سعادة أصلا؟

إعلان

إعلان

إعلان