لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

  ترامب وتغريداته .. عصر "تويتر"

د.هشام عطية عبدالمقصود

ترامب وتغريداته .. عصر "تويتر"

د. هشام عطية عبد المقصود
09:00 م الجمعة 19 يوليه 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ما إن تدخل مجال تويتر شغوفا ثم تطلق نصوصك القصيرة التي تصادف حيزا متفاعلا من التعليقات والشير حتى تكون قد أصابتك متلازمة حروف كيبورد تويتر، فتنهمر بعدها سطورك مغردة على شجر الكلام شرقا وغربا، وهكذا يفعل الرئيس الأمريكي ترامب وهو يمنح تويتر دورا تاريخيا غير مسبوق في مجال إعلان القرارات وبدء الشجارات محليا ودوليا وحتى كشف نواياه تجاه الأصدقاء والخصوم بشرا ودولا، ليكاد يكون تويتر لديه هو ديوان مراسم كامل ووزارة خارجية على الهواء مباشرة.

وقد مثل استخدام الرئيس الأمريكي روزفلت للراديو في ثلاثينيات القرن الماضي حدثا تاريخيا مهما في تاريخ توظيف الميديا سياسيا في مخاطبة الجماهير وبناء صورة الرئيس وصناعة الدعم الجماهيري للقرارات، وهكذا فعل جون كنيدي في الستينيات موظفا خاصية الصورة التليفزيونية، ويصنع ترامب مرحلة التطور الثالثة بمنح "تويتر" مكانة تعلو على الساحات التقليدية سياسيا وإعلاميا في مجال بناء وتداول عناصر عملية صناعة القرارات وإعلانها.

لكن أخطر ما يضفيه نمط التعامل مع تويتر وفق مؤشرات بعض الدراسات هو أنه لا يكبح جماح الاندفاع وحالة نفاد الصبر والرغبة في التعبير المباشر أو حتى الانتقام السريع عند الكثير من المستخدمين الدائمين، وليكون ذلك عرضا ملازما لطول الاستخدام والتفاعل، إذ تمنح القدرة على التواصل المباشر والسريع والتفاعل الفوري مع الجمهور إغراء متزايدا بالاستخدام والتغريد فيما له أهمية وأحيانا مما ليس مهما تماما أو لم يحن أوان إعلانه بعد، أو ما قد يحتاج تريثا وتمهلا ومشاورات.

ورغم أن طبيعة التوظيف الأولى لتويتر من قبل الرئيس ترامب أثناء فترة ترشحه للرئاسة حملت معدلات نجاح عالية، حيث استطاع أن يحيد كثيرا من ضغوط وخصومة وسائل الإعلام التقليدية له ومساندتها للمرشحة المنافسة هيلاري كلينتون، بأن صنع دوائر تواصل مباشر له تحمل مواقفه وتعلن رأيه للجمهور عبر تويتر.

وبعد أن استقر الرئيس ترامب لم يغير من تفضيلاته شيئا في التعامل مع الميديا، مواظبا على منح الأولوية لتويتر صوته المباشر والفوري المختزل النافذ، ورغم ما تذكره العديد من الدراسات القديمة نسبيا والتي تسبق فترة ترامب عن محدودية تعرض الجمهور الأمريكي نسبيا للأخبار المتعلقة بالشؤون الخارجية عبر وسائل الإعلام، لكنها هذه الجماهير الآن ووفق دراسة أجرها معهد جالوب وهي تحلل نمط استخدام ترامب لتويتر خلصت إلى أن ما نسبته 76% من العينة يعرف أو يرى أو يسمع أو يقرأ ما يغرد به ترامب على تويتر عبر وسيلة أو أخرى.

يعنى ذلك شيئا جديدا ومهما نراه ونستخلصه فى رأينا هو أن نمط توظيف ترامب لتويتر نجح فى توجيه مختلف وسائل الإعلام سواء منها ما يؤيده أو يعارضه نحو التعامل والعرض المكثف لما يطرحه على تويتر، بأن جعلهم فى مرتبة تالية فى مجال بناء المحتوى الإعلامي بشأنه متابعين وليسوا صانعين متلقين ومعلقين وليسوا مبادرين غالبا، خاصة وأن ما يطرحه غالبا ما يكون مباغتا وجدليا، وربما الرجل يعني ذلك ويدرك تمامًا تأثير تلك المباغتات والمفاجآت التغريدية فى إبقاء حضوره مهيمنا فى محتوى الميديا الأمريكية وكونه محورا للنقاش والتفاعل محليا ودوليا أيضا.

وفى تقرير بحثى أخير نشر موقع مركز Pew Research Center في منتصف شهر يوليو الحالي وذكر أن واحدا من كل خمسة بالغين من مستخدمي تويتر فى الولايات المتحدة يتابعون وبشكل مباشر حساب ترامب وتغريداته على تويتر، أي أن ترامب وتغريداته ومنصته قد تحولت إلى أكبر مؤسسة إعلامية تتواصل مع الجمهور دون فرق عمل موسعة ودون حيز مؤسسي مالي وإداري، وهو تحول نوعي فى مجال الإعلام المعاصر يحتاج إلى نظرة فتأمل وتدقيق.

تمنح مساحات المتابعة الفورية للتغريدات وتأثيرها على جمهور المستخدمين وتزامن ذلك مع قدرة محتوى ودلالة التغريدات ذاتها على بناء حالة دهشة ومفارقة وجدل، وأنه من امتزاج هذين التفاعلين تنشأ المتعة، المتعة التي تجعل أيدي المغردين تمتد بحنين نحو حروف لوحة الهاتف لصنع تغريدات يحملها هواء تويتر عاليا فيتنسمها الجالسون فى انتظار مطر الحروف على شاشات الحواسيب والهواتف شغفا ودهشة وتفاعلا.

إعلان

إعلان

إعلان