لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

اللغات الأجنبية وأساليب التفكير المختلفة

د.إيمان رجب

اللغات الأجنبية وأساليب التفكير المختلفة

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

09:01 م الثلاثاء 02 يوليو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"لا يرتبط تعلم لغة أجنبية عن اللغة الأم بمعرفة لغة أخرى من الناحية التقنية، ولكن أيضا بفهم الثقافة المرتبطة بتلك اللغة".

هذه العبارة كنت أسمعها كثيرًا في الصغر من مدرستي ذات الأصول البريطانية، حين كانت تعلّمنا اللغة الإنجليزية في المدرسة، ولكن حينها لم أكن أعي المقصود منها بالضبط.

كان التحاقي بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في إيطاليا سببًا في إدراكي أبعاد معني هده العبارة، حيث أدركت حينها أن كون اللغة العربية هي لغتي الأم وأنني أتقن إلى جانبها اللغة الإنجليزية التي هي اللغة رقم واحد في العالم "يجعلني أملك العالم"، وفق تعبير زميلي الأمريكي في الكلية حينها، ولكن ذلك لا يكفي حتى أستطيع التواصل مع الشعب الإيطالي، وهو ما اضطرني للبدء في تعلم اللغة الإيطالية .

ورغم أن الكثير رأوا حينها أن هذا القرار غير صائب؛ لكون الإيطالية ليست لغة عالمية مقارنة بالإنجليزية أو الفرنسية مثلا، وبالتالي فإن حجم استفادتي منها محدود خارج إيطاليا، فقد وجدتها تجربة مهمة بالنسبة لي، وهو ما تأكد لي مع مرور الوقت؛ فتعلم هذه اللغة لم يعلمني الثقافة الإيطالية فقط وأسلوب تفكير الشعب الإيطالي في كثير من الأمور، وإنما أيضا يضيء لي بعض ما كنت أجهل عن لغات أوروبية أخرى؛ حيث أدركت أن تركيب اللغة يكشف الكثير عن أسلوب تفكير الشعب في أمور كثيرة، وهذا ينطبق على لغتنا العربية أيضًا.

هذه الفائدة المهمة يدركها جيدًا الشباب الأوروبي أكثر من غيره، وقد يكون السبب هو نشأته في ظل قارة متعددة اللغات.

هذا الانطباع تأكد لديّ حين اطلعت على نتائج استطلاع الرأي الباروميتر الأوروبي في نسخته الخاصة بالتعليم والمنشورة في يونيو ٢٠١٨، والذي طبق على عينة من الشباب في الفئة العمرية ١٥-٣٠ سنة في الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وتشير نتائج هذا الاستطلاع إلى أن ٨٠% من الشعوب الأوروبية يستطيعون القراءة والكتابة بلغة أجنبية واحدة على الأقل بخلاف اللغة الأم، ومنهم ٤٣% يعرفون لغتين و٢٧% يعرفون ثلاث لغات و١٠% يعرفون أكثر من ثلاث لغات.

ورأى ٣٣% من العينة أنهم يستطيعون استكمال دراستهم بلغة واحدة فقط بما في ذاك اللغة الأم، بينما رأى ٥١% أنهم يستطيعون ذلك بلغتين و١٥% بثلاث لغات أو أكثر.

وتبلغ نسبة من يرغبون في تطوير اللغات التي يعرفونها ٨٤%، بينما يرغب ٧٧% منهم في تعلم لغة جديدة.

ووجد الاستطلاع علاقة بين مستوى التعليم ومعرفة أكثر من لغة أجنبية؛ فإتقان اللغة الأم فقط ارتبط بمن هم في مستوى تعليمي متدنٍ.

وهذه النتائج لها أهمية كبيرة لصناع السياسات العامة الخاصة بالتعليم في الدول الأوروبية، حيث تكشف كثيرا مما يتعلق بقدرة الشباب الأوروبي على التعايش مع الثقافات المختلفة الموجودة في أوروبا، وعلى قبول أساليب تفكير متنوعة ومختلفة عن تلك التي اعتاد عليها الآباء والأجداد والتي من شأنها أن تحدد مستقبل أوروبا.

ومن المهم أن يكون هناك مماثل لهذا النوع من استطلاعات الرأي بين الشباب في الدول العربية، حتى نعرف أيَّ مستقبل يستطيع هؤلاء الشباب أن يصنعوا.

إعلان

إعلان

إعلان